للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تردّى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنّم، يتردّى فيها خالدا مخلّدا فيها أبدا، ومن تحسّى سمّا، فقتل نفسه؛ فسمّه في يده يتحسّاه في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجّأ بها في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا». رواه البخاري ومسلم والترمذي.

{فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} أي: من الذاكرين الله عز وجل قبل ذلك، وكان كثير الذكر.

قال الحسن البصري: ما كانت له صلاة في بطن الحوت، ولكنه قدم عملا صالحا، فشكر الله تعالى له طاعته القديمة، وفي رواية عنه: ولكنه قدم عملا صالحا في حال الرخاء، فذكره الله به في حال البلاء، وإن العمل الصالح ليرفع صاحبه، وإذا عثر؛ وجد متكأ. قال بعضهم: اذكروا الله في الرخاء؛ يذكركم في الشدة، فإن يونس كان عبدا صالحا ذاكرا لله تعالى، فلما وقع في الشدة في بطن الحوت؛ شكر الله تعالى له ذلك، فقال: {فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ}. هذا؛ وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لابن عباس-رضي الله عنهما-: «تعرّف إلى الله في الرّخاء؛ يعرفك في الشّدّة».

{لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ:} قال قتادة: أي: لكان بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة.

هذا؛ وروى الطبري من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا أراد الله تعالى حبس يونس في بطن الحوت؛ أوحى الله إلى الحوت: أن خذه، ولا تخدش لحما، ولا تكسر عظما، فأخذه، ثم هوى به إلى مسكنه من البحر، فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسّا، فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليه؛ وهو في بطن الحوت: إن هذا تسبيح دوابّ البحر. قال: فسبّح، وهو في بطن الحوت، قال: فسمعت الملائكة تسبيحه، فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة، قال: ذلك عبدي يونس، عصاني، فحبسته في بطن الحوت في البحر. قالوا: العبد الصالح، الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟! قال: نعم، فشفعوا له عند ذلك، فأمر الحوت بقذفه في الساحل، كما قال تعالى: {وَهُوَ سَقِيمٌ} وكان سقمه الذي وصفه به الله تعالى: أنه ألقاه الحوت على الساحل كالصبي المنفوس، قد نشر اللحم والعظم». انتهى. قرطبي بتصرف.

وقال ابن العربي-رحمه الله تعالى-أخبرني غير واحد عن إمام الحرمين-رحمه الله تعالى- أنه سئل عن الباري: في جهة؟ فقال: لا، هو يتعالى عن ذلك، قيل له: ما الدليل عليه؟ قال:

الدليل عليه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تفضّلوني على يونس بن متّى». فقيل له: ما وجه الدليل في هذا الخبر؟ فقال: إن يونس بن متّى رمى بنفسه في البحر، فالتقمه الحوت، فصار في قعر البحر في ظلمات ثلاث، ونادى: {لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ} كما أخبر الله تعالى عنه، ولم يكن محمد صلّى الله عليه وسلّم حين جلس على الرفوف الأخضر، وارتقى به صعدا حتى انتهى به إلى موضع يسمع فيه صريف الأقلام، وناجاه ربه بما ناجاه، وأوحى إليه ما أوحى بأقرب إلى الله من يونس في بطن الحوت في ظلمة البحر. انتهى. قرطبي بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>