{ثَلاثَةَ قُرُوءٍ:} جمع: قرء، بفتح القاف، وضمّها، ولكن جمع الأول: قروء، وأقرؤ، وجمع الثاني: أقراء، وقروء جمع كثرة، والموضع موضع قلّة، فكان الوجه: ثلاثة أقراء.
واختلف في تأويله، فقيل: ووضع جمع الكثرة في موضع جمع القلة. وقيل: لمّا جمع المطلقات؛ أتى بلفظ جمع الكثرة؛ لأن كل مطلقة تتربص ثلاثة قروء. وقيل: التقدير: ثلاثة أقراء، من: قرء. انتهى. عكبري. واختلف في الأقراء، فقال أبو حنيفة، وأحمد-رحمهما الله تعالى-: القرء: الحيض، وهو قول عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وغيرهم من التابعين. ودليلهم ما جاء في الحديث عن فاطمة بنت أبي حبيش: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لها: «دعي الصّلاة أيّام أقرائك». فهذا لو صحّ؛ لكان صريحا في أنّ القرء هو الحيض. مختصر ابن كثير. وقال أهل الحجاز: هي الأطهار. وهو قول عائشة، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وهو مذهب الشّافعي، ومالك، واستشهد أبو عبيدة وغيره بقول الأعشى:[الطويل]
أفي كلّ عام أنت جاشم غزوة... تشدّ لأقصاها عزيم عزائكا
مورّثة مالا وفي الحيّ رفعة... لما ضاع فيها من قروء نسائكا
أراد: أنه كان يخرج للغزو، ولم يغش النّساء، فتضيع أقراؤهن زمان الطّهر، لا زمان الحيض. وأصل القرء: الانتقال من الطّهر إلى الحيض، وهو المراد به في الآية؛ لأنّه الدال على براءة الرّحم، لا الحيض. وقال آخر في الحيض:[الرجز]
يا ربّ ذي ضغن عليّ فارض... له قروء كقروء الحائض
يعني: أنّه طعنه، فكان له دم كدم الحائض. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: ما أدركنا أحدا من فقهائنا إلا يقول بقول عائشة-رضي الله عنها-في أنّ الأقراء هي الأطهار، وفي أيامنا تعطي المحاكم الشّرعية مدة ثلاثة أشهر للمطلقة المدخول بها، سواء أكانت من ذوات الحيض، أم لا؟ وهو جيّد، وفيه زيادة احتياط لبيان براءة الرّحم، وحفظ الفروج.
{وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ} أي: يخفين ما في أرحامهن من الولد، أو الحيض استعجالا في العدّة، أو إبطالا لحقّ الزوج في الرجعة، وزيادة النفقة عليه. {إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ:} هذا وعيد عظيم شديد لتأكيد تحريم الكتمان، وإيجاب لأداء الأمانة في الإخبار عن الرّحم بحقيقة ما فيه. وليس مفهوم الشّرط في الإيمان على أنّه أبيح لمن لا يؤمن أن يكتم؛ لأن ذلك لا يحل لمن لا يؤمن أيضا، فهو كقوله تعالى في سورة (النور): {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} رقم [٣٣].
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ} أي: في زمن التربّص، وهو العدّة الواجب مراعاتها. والبعولة جمع: بعل، وهو الزّوج، سمّي بعلا؛ لعلوه على الزّوجة بما قد ملكه من زوجيتها. ومنه قوله: