للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا بسبب خدمة الناس، ثم تعود إليه قريبا، فلما طال المطال، واشتد الحال، ونفذ القدر، وتم الأجل المقدر تضرع إلى رب العالمين، وإله المرسلين، فقال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ}. ويروى: أنه قال في مناجاته: إلهي قد علمت أنه لم يخالف لساني قلبي، ولم يتبع قلبي بصري، ولم يهبني ما ملكت يميني، ولم آكل إلا ومعي يتيم، ولم أبت شبعان، ولا كاسيا، ومعي جائع، أو عريان.

فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين دعاءه، وأمره أن يقوم مقامه، وأن يضرب الأرض برجله، ففعل، وأذهب الله عنه جميع آلامه، وتكاملت عافيته ظاهرا، وباطنا، وأنزل الله عليه من السماء ثوبين أبيضين، فائتزر بأحدهما، وارتدى بالآخر، ثم أقبل يمشي إلى منزله، وقد استبطأته زوجته، فالتفتت تنظر، فأقبل عليها، وهو على أحسن ما كان، فأقبلت عليه، وهي لا تعرفه فسلمت عليه، وقالت: يرحمك الله هل رأيت هذا الرجل المبتلى؟ قال: ومن هو؟ قالت: نبي الله أيوب، أما والله ما رأيت أحدا قطّ أشبه به منك إذا كان صحيحا، فقال: إني أنا أيوب، ورد الله إليه أهله، ومثلهم معهم، ثم أقبلت سحابة فصبت على الموضع الذي يدرس فيه القمح ذهبا حتى امتلأ، وأقبلت سحابة أخرى على الموضع الذي يدرس فيه شعيره، فصبت عليه ورقا حتى امتلأ، فجعل أيوب يحثو في ثوبه، فناداه الله عز وجل: يا أيوب! ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ فقال: بلى يا رب، ولكن لا غنى بي عن بركتك. أخرجه البخاري، والإمام أحمد عن أبي هريرة-رضي الله عنه-مرفوعا.

هذا؛ وكان أيوب-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-قد حلف في مرضه ليضربنّ امرأته مئة جلدة إذا هو برأ، واختلفوا في سبب ذلك على أربعة أقوال: أحدها: ما حكاه ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن إبليس لقيها في صورة طبيب، فدعته لمداواة أيوب، فقال: أداويه على أنه إذا برئ؛ قال: أنت شفيتني، لا أريد جزاء سواه، قالت: نعم، فأشارت على أيوب بذلك، فحلف ليضربنها! وقال: ويحك ذلك الشيطان! الثاني: ما حكاه سعيد بن المسيب-رحمه الله تعالى-:

أنها جاءته بزيادة على ما كانت تأتيه من الخبز، فخاف خيانتها، فحلف ليضربنها! الثالث: ما حكاه يحيي بن سلاّم، وغيره: أن الشيطان أغواها أن تحمل أيوب على أن يذبح سخلة تقربا إليه، وأنه يبرأ، فذكرت ذلك له، فحلف ليضربنها إن عوفي مئة، والرابع: قيل: إنها باعت ذوائبها برغيفين؛ إذ لم تجد شيئا تحمله إلى أيوب، وكان أيوب يتعلق بها إذا أراد القيام، فلهذا حلف ليضربنها!.

هذا؛ وقال الصابوني في كتابه «النبوة والأنبياء»: وكانت له امرأة صالحة مؤمنة اسمها رحمة من أحفاد يوسف عليه السّلام، وقد رافقت هذه المرأة حياة نعمته، وصحته، وزمن بؤسه، وبلائه، فكانت في الحالين مع زوجها شاكرة صابرة، ثم إن الشيطان حاول أن يدخل على أيوب في زمن بلائه، فلم يؤثر فيه، فحاول أن يدخل إليه عن طريق امرأته، فوسوس لها: إلى متى

<<  <  ج: ص:  >  >>