للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيه: أول خلع حصل في الإسلام كان بما يلي: روى عكرمة عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: أوّل من خالع في الإسلام أخت عبد الله بن أبي ابن سلول، أتت النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول الله! لا يجتمع رأسي ورأسه أبدا، إنّي رفعت جانب الخباء، فرأيته أقبل في عدّة، إذا هو أشدّهم سوادا، وأقصرهم قامة، وأقبحهم وجها، فقال: أتردّين عليه حديقته؟ قالت: نعم، وإن شاء زدته. ففرّق بينهما، رواه ابن ماجة، ورواه البخاريّ بتغيير ببعض ألفاظه.

كما اختلف في المرأة فقيل: اسمها: جميلة، وقيل: اسمها: حبيبة، وقيل: هي أخت عبد الله المنافق. وقيل: هي بنته، والمعتمد: أنّها أخته، وقيل: هي حبيبة بنت سهل الأنصاري، والزوج هو ثابت بن قيس ابن شمّاس رضي الله عنه، وكان في أذنيه صمم.

بعد هذا: فإن كان الزوج مضارّا للزّوجة، وحملها على الافتداء؛ فحرام عليه رائحة الجنّة، ولها العذر بتخليصها نفسها من ظلمه، وأمّا إذا لم يكن لها عذر، وسألت الافتداء منه؛ فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّما امرأة سألت زوجها طلاقها في غير ما بأس؛ فحرام عليها رائحة الجنّة»، رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجة.

وهذه الصحابية قد بينت العذر في بغضها لثابت، وهذا عذر مقبول، مع كون ثابت من كرام الصّحابة. انظر ما ذكرته بشأنه في سورة (الحجرات) رقم [٢] فإنّه جيد والحمد لله، ولا تنس أن ما يعجب الرجل من امرأته، يعجبها منه مثله.

تنبيه: يصحّ الخلع في الحيض، والطّهر؛ لأنه لا يوصف بسنّيّ، ولا بدعيّ، وتملك المرأة به نفسها، فلا رجعة للزّوج عليها إلا بعقد جديد، ومهر، ووليّ، وشاهدين. وهل ينقص الخلع عدد الطّلاق؟ فخذه بما يلي: فعن ابن عباس-رضي الله عنهما-: أن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنهما-سأله، فقال: طلّق رجل امرأته تطليقتين، ثم اختلعت منه، أيتزوّجها؟ قال: نعم، ليس الخلع بطلاق. ذكر الطلاق في أوّل الآية وآخرها، والخلع فيما بين ذلك، فليس الخلع بشيء، ثم قرأ: {الطَّلاقُ مَرَّتانِ..}. إلخ.

وهذا الذي ذهب إليه ابن عباس رواية عن عثمان، وابن عمر، وبه يقول الإمام أحمد، وهو مذهب الشّافعي في القديم. والقول الثاني في الخلع: إنّه طلاق بائن، وإليه ذهب مالك، وأبو حنيفة، والشافعي في الجديد. وللشّافعي قول آخر في الخلع، وهو: أنّه إذا لم يكن بلفظ الطلاق، وعري عن البيّنة؛ فليس بشيء بالكلّية، والمفتى به القول الأوّل.

ويؤيّده حديث الرّبيّع بنت معوّذ-رضي الله عنها-: أنها اختلعت على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأمرها صلّى الله عليه وسلّم أن تعتدّ بحيضة، فهذا يدل على أن الخلع فسخ لا طلاق، وذلك: أنّ الله تعالى قال:

{وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} ولو كانت هذه مطلقة لم يقتصر بها على قرء واحد.

وروى الترمذيّ، وأبو داود، والدّارقطنيّ عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمر

<<  <  ج: ص:  >  >>