ولكن هناك من يتبجح، ويقول: إن الله خلقها بدون واسطة، وهذا يعني: أن الله خلقها من تراب كما خلق آدم، ولهذا يقدرون مضافا محذوفا، فيقولون: الأصل من جنسها؛ أي: من البشر. وهذا مردود عليهم بما ذكرت، وانظر ما ذكرته في سورة (غافر) رقم [٢٥] بشأن حواء أم البشر، وانظر أيضا سورة (الشورى) رقم [١١].
هذا؛ وقال سليمان الجمل: إن قلت: كيف عطف ب: {ثُمَّ} مع أن خلق حواء من آدم سابق على خلقنا منه؟ أجيب بأن {ثُمَّ} هنا للترتيب في الأخبار لا في الإيجاد، أو المعطوف متعلق بمعنى:{واحِدَةٍ،} ف: {ثُمَّ} عاطفة عليه لا على: {خَلَقَكُمْ،} فمعناه: {خَلَقَكُمْ،} من نفس واحدة أفردت بالإيجاد، ثم شفعت بزوج. أو هو معطوف على:{خَلَقَكُمْ،} لكن المراد بخلقهم خلقهم يوم أخذ الميثاق عليهم دفعة، لا على هذا الخلق، الذي هم فيه الآن بالتوالد، والتناسل، وذلك؛ لأن الله خلق آدم عليه السّلام، ثم أخرج أولاده من ظهره كالذّر، وأخذ عليهم الميثاق، ثم ردهم إلى ظهره، ثم خلق منه حواء. انتهى. نقلا من كرخي.
وقال الزمخشري: فإن قلت: ما وجه قوله: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها} وما يعطيه من معنى التراخي؟ قلت: هما آيتان من جملة الآيات التي عددها دالا على وحدانيته، وقدرته، وتشعيب هذا الخلق الفائت للحصر من نفس آدم، وخلق حواء من قصيراه؛ إلا أن إحداهما جعلها الله عادة مستمرة، والأخرى لم تجر بها العادة، ولم تخلق أنثى غير حواء من قصيري رجل، فكانت أدخل في كونها آية، وأجلب لعجب السامع فعطفها ب:{ثُمَّ} على الآية الأولى للدلالة على مباينتها لها فضلا، ومزية، وتراخيها عنها فيما يرجع إلى زيادة كونها آية، فهو من التراخي في الحال، والمنزلة، لا من التراخي في الوجود.
وقال غيره: المعطوف متعلق بمعنى: {واحِدَةٍ،} ف: {ثُمَّ} عاطفة عليه، لا على:
{خَلَقَكُمْ}. فمعناه {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ} أفردت بالإيجاد، ثم شفعت بزوج، فكانت هاهنا على بابها لتراخي الوجود.
وقد أوردها ابن هشام شاهدا على أن قوما خالفوا في معناها، وهو الترتيب تمسكا بها، فقال:
والجواب على الآية من خمسة أوجه: أحدها: أن العطف على محذوف؛ أي: من نفس واحدة، أنشأها، ثم جعل منها زوجها. الثاني: أن العطف على واحدة على تأويلها بالفعل؛ أي: من نفس توحدت؛ أي: انفردت ثم جعل منها زوجها. الثالث: أن الذرية أخرجت من ظهر آدم-عليه الصلاة والسّلام-كالذر، ثم خلقت حواء من قصيراه. الرابع: أن خلق حواء من آدم لما لم تجر عادة بمثله؛ جيء ب:{ثُمَّ} إيذانا بترتبه، وتراخيه في الإعجاب، وظهور القدرة، لا لترتيب الزمن، وتراخيه. الخامس: أن {ثُمَّ} لترتيب الأخبار، لا لترتيب الحكم، وأنه يقال: بلغني ما صنعت اليوم، ثم ما صنعت أمس أعجب؛ أي: ثم أخبرك أن الذي صنعته أمس أعجب.