للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ} أي: وخلق، وأوجد لكم من الأنعام المأكولة، وهي:

الإبل والبقر والغنم والماعز، ثمانية أزواج من كل نوع ذكرا، وأنثى. قال قتادة: من الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، ومن الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، كل واحد زوج. انتهى. وهذا ذكره الله في الآيتين رقم [١٤٣] و [١٤٤] من سورة (الأنعام) مفصلا. هذا؛ والزوج ما معه آخر من جنسه لا ينفك عنه، ويحصل منهما التناسل، وكذا يطلق على الاثنين، فهو مشترك، والمراد هنا:

الإطلاق الأول، وسميت أزواجا؛ لأن الذكر زوج الأنثى، والأنثى زوج الذكر. هذا؛ وقال البيضاوي في معنى: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ:} وقضى، أو قسم لكم، فإن قضاياه، وقسمه توصف بالنزول من السماء؛ حيث كتب في اللوح المحفوظ، أو أحدث لكم بأسباب نازلة، كأشعة الكواكب، والأمطار. انتهى.

{يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ:} بيان لكيفية خلق ما ذكر من الأناسيّ والأنعام، وإظهار لما فيها من عجائب القدرة، غير أنه غلّب أولي العقل، وخصّهم بالخطاب؛ لأنهم المقصودون بالتذكير، والعظة، والاعتبار، وما يتذكر إلا أولو الألباب، ومعنى {خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ:} يخلقكم في بطون أمهاتكم أطوارا، كما قال تعالى في سورة (نوح) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام رقم [١٤]: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً} فإن الإنسان يكون نطفة، ثم علقة، ثم مضغة إلى أن يتم خلقه، ثم ينفخ فيه الروح، فيصير خلقا آخر. وهذا صريح قوله تعالى في سورة (المؤمنون): {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ} رقم [١٢] و [١٣] و [١٤].

{فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ:} ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، قاله ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والضحاك-رضي الله عنهم أجمعين-. وقال أبو عبيدة: ظلمة صلب الرجل، وظلمة بطن المرأة، وظلمة الرحم. يقول سيد قطب-رحمه الله-في الظلال: هي ظلمة الكيس الذي يغلف الجنين، وظلمة الرحم الذي يستقر فيه الجنين، وظلمة البطن الذي يستقر فيه الرحم، ويد الله تخلق هذه الخلية الصغيرة، وعين الله ترعى هذه الخليقة، وتودعها القدرة على النمو، والقدرة على التطور، والقدرة على الارتقاء، كما قدر لها بارئها.

هذا؛ وقد ذهب الصابوني مذهبا بعيدا، وذلك بقوله: ثبت علميا: أن الجنين في بطن أمه محاط بثلاثة أغشية، وهذه الأغشية لا تظهر إلا بالتشريح الدقيق، وتظهر بالعين المجردة كأنها غشاء واحد، وهذه الأغشية هي التي تسمى: الغشاء المنباري، والخوربون، واللفائفي، هذا ما أثبته الطب الحديث، وقد جاء القرآن الكريم مؤيدا هذه الحقيقة العلمية، وذلك في سورة (الزمر) في قوله جل وعلا: {يَخْلُقُكُمْ..}. إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>