للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وآخركم، وإنسكم، وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل؛ ما نقص ذلك من ملكي شيئا». أخرج الحديث القدسي بطوله مسلم عن أبي ذر الغفاري-رضي الله عنه-.

{وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ:} يعني: أن الله تعالى، وإن كان لا ينفعه إيمان، ولا يضره كفر، إلا أنه لا يرضى لعباده الكفر. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لا يرضى لعباده المؤمنين بالكفر، وهم الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ} فعلى هذا يكون عامّا في اللفظ، خاصّا في المعنى، كقوله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ} يريد، بعض عباد الله، وأجراه قوم على العموم، وقال: لا يرضى لأحد من عباده الكفر، ومعنى الآية لا يرضى الله لعباده أن يكفروا به، وهو قول السلف. قالوا: كفر الكافر غير مرضيّ لله تعالى، وإن كان بإرادته؛ لأن الرضا عبارة عن مدح الشيء، والثناء عليه بفعله، والله لا يمدح الكفر، ولا يثني عليه، ولا يكون في ملكه إلا ما أراد، وقد لا يرضى به، ولا يمدح عليه، وقد بان الفرق بين الإرادة، والرضا. انتهى. خازن. وخذ قول اللّقاني في جوهرته: [الرجز]

وقدرة إرادة وغايرت... أمرا وعلما والرّضا كما ثبت

قال الباجوري في شرح جوهرة التوحيد: فإن الإرادة قد تتعلق بما لا يرضى به الله تعالى، كالكفر الواقع من الكفار، فإنه تعالى أراده، ولا يرضى به. انتهى. ولقد سفه الزمخشري هنا سفاهة واضحة، فقال: ولقد تمحل بعض الغواة؛ ليثبت لله تعالى ما نفاه الله عن ذاته من الرضا لعباده الكفر، فقال: هذا من العام الذي أريد به الخاص، وما أراد إلا عباده الذين عناهم في قوله: {إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ} يريد المعصومين، كقوله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ}. تعالى الله عما يقول الظالمون. وابتدأ قوله: أي: يرضى لكم الشكر؛ لأنه سبب فوزكم، وفلاحكم، فإذا ما كره كفركم، ولا رضي شكركم إلا لكم، ولصلاحكم، لا لأن المنفعة ترجع إليه؛ لأنه الغني؛ الذي لا يجوز عليه الحاجة. انتهى. بتصرف.

{وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} أي: وإن تشكروا ربكم؛ يرض هذا الشكر منكم. بمعنى: يتقبله، ويثيبكم عليه؛ لأجل منفعتكم، لا لانتفاعه بطاعتكم. قال أبو السعود: عدم رضاه بكفر عباده لأجل منفعتهم، ودفع مضرتهم، رحمة بهم لا لتضرره تعالى بذلك، ورضاه بشكرهم لأجلهم، ومنفعتهم؛ لأنه سبب فوزهم بسعادة الدارين، ولهذا فرق بين اللفظين، فقال: {وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ} وقال هنا: {يَرْضَهُ لَكُمْ} لأن المراد بالأول تعميم الحكم، ثم تعليله بكونهم عباده. انتهى. صفوة التفاسير. هذا؛ والفعل: «شكر» يتعدى بنفسه وبحرف الجر، تقول:

شكرته، وشكرت له، كما تقول: نصحته، ونصحت له، وانظر (الشكر) في الآية رقم [١٣] من سورة (سبأ) والمحال عليها في سورة (لقمان)، وسورة (النمل)، ولا تنس الطباق، والمقابلة بين: تكفروا وتشكروا.

<<  <  ج: ص:  >  >>