في الوتر؛ لأنه دعاء المصلي قائما، ويقرأ بتخفيف الميم وتشديدها، ففي الأول وجهان انظرهما في الإعراب، وفي الثاني، التقدير: أم من. وفي (أم) وجهان: متصلة، أو منقطعة.
{آناءَ اللَّيْلِ:} ساعات الليل، وأوقاته، وواحد {آناءَ:} أنى بفتح الهمزة، والنون، أو: إنى بكسر الهمزة وفتح النون، أو: أني بالفتح والسكون، وإني بالكسر والسكون. {ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ:} فيه دليل على ترجيح قيام الليل على النهار وأنه أفضل منه، وذلك؛ لأن الليل أستر، فيكون أبعد عن الرياء، ولأن ظلمة الليل تجمع الهم، وتمنع البصر عن النظر إلى الأشياء، وإذا صار القلب فارغا عن الاشتغال بالأحوال الخارجية؛ رجع إلى المطلوب الأصلي، وهو الخشوع في الصلاة، ومراقبة من يصلي له. وقيل: لأن الليل وقت النوم، ومظنّة الراحة، فيكون قيامه أشق على النفس، فيكون الثواب فيه أكثر.
هذا؛ وفي هذا الكلام فائدة، وهي: أنه قال في مقام الخوف: {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ} فلم يضف الحذر إليه تعالى، وقال في مقام الرجاء:{وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} وهذا يدل على أن جانب الرجاء أكمل، وأولى أن ينسب إلى الله تعالى. ويعضد هذا ما روي عن أنس-رضي الله عنه-أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل على شاب وهو في الموت، فقال له:«كيف تجدك؟» قال: أرجو الله يا رسول الله! وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن، إلاّ أعطاه الله تعالى ما يرجوه منه، وآمنه ممّا يخاف». أخرجه الترمذي. انتهى. خازن. هذا؛ ولا تنس الطباق، والمقابلة بين {يَحْذَرُ} و (يرجو).
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} أي: ما عند الله من الثواب، والعقاب. {وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ:}
ذلك، فحذف مفعولي الفعلين للتعميم. وقيل:{الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} عمار، وأصحابه. {وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} أبو حذيفة المخزومي ومن على شاكلته. وقيل: افتتح الله الآية بالعمل، وختمها بالعلم؛ لأن العمل من باب المجاهدات، والعلم من باب المكاشفات، وهو النهاية، فإذا حصلا للإنسان، دل ذلك على كماله، وفضله.
{إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ} أي: إنما يعتبر، ويتعظ أصحاب العقول السليمة، والفطر المستقيمة، وانظر الآية رقم [٢٩] من سورة (ص). هذا؛ وقال البيضاوي-رحمه الله تعالى-:
الكلام نفي لاستواء الفريقين باعتبار القوة العلمية بعد نفيها باعتبار القوة العملية على وجه أبلغ لمزيد فضل العلم. وقيل: هو تقرير للأول على وجه التشبيه؛ أي: كما لا يستوي العالمون، والجاهلون؛ ولا يستوي القانتون، والعاصون. انتهى.
هذا؛ واختلف في تعيين القانت هاهنا. فذكر يحيى بن سلام: أنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-في رواية الضحاك عنه: هو أبو بكر، وعمر-رضي الله عنهما-. وقال ابن عمر-رضي الله عنهما-: هو عثمان-رضي الله عنه-. وقال مقاتل: إنه عمار بن ياسر. وقال الكلبي: