للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصله: اوتصل. هذا؛ وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-المراد بهذا الأمر جعفر بن أبي طالب، والذين خرجوا معه إلى الحبشة. والأولى التعميم. وإن كان السبب خاصا؛ فقد كان الغرض منها التأنيس لهم، والتنشيط للهجرة. هذا؛ وانظر: (قهم) في الآية رقم [٩] من سورة (غافر) وخذ ما يلي، وهو قول الشاعر: [الطويل]

إذا المرء لم يلبس ثيابا من التّقى... تقلّب عريانا ولو كان كاسيا

وخير لباس المرء طاعة ربّه... ولا خير فيمن كان لله عاصيا

ولأبي الدرداء-رضي الله عنه-: [الوافر]

يودّ المرء أن يعطى مناه... ويأبى الله إلاّ ما أرادا

يقول المرء فائدتي ومالي... وتقوى الله أكبر ما استفادا

{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ} أي: للذين أحسنوا بالطاعات في الدنيا مثوبة حسنة في الآخرة. وقيل: المعنى للذين أحسنوا في الدنيا حسنة في الدنيا، تكون زيادة على ثواب الآخرة، والحسنة الزائدة في الدنيا: الصحة، والعافية، والعز، والرفعة، ينالها المؤمن إذا شكر تلك النعم، وقد تكون الحسنة في الدنيا: الثناء الحسن، وفي الآخرة: الجزاء. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٧٨] من سورة (الصافات) فهو جيد.

{وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يعني: ارتحلوا من مكة. وفيه حث على الهجرة من البلد الذي يظهر فيه المعاصي. وقيل: المراد: من أمر بالمعاصي في بلد؛ فليهرب منه. وقيل: المراد: أرض الجنة؛ رغبهم في سعتها، وسعة نعيمها، كما قال تعالى:

{وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} رقم [١٣٣] من سورة (آل عمران)، والجنة قد تسمى أرضا، قال تعالى: {وَقالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ..}. إلخ رقم [٧٤] الآتية. والأول أظهر، فهو أمر بالهجرة. انتهى. قرطبي.

{إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ:} على البلاء، والطاعات، وعن المعاصي. وقيل: المراد هنا:

الصائمون بدليل الحديث القدسي عن رب العزة: «كلّ عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به». {أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ:} بغير وزن، ولا كيل، ولا عدد، ولا مقياس، وإنما يحثى حثوا، ويغرف غرفا. وقال قتادة: لا والله ما هناك مكيال، ولا ميزان، حدثني أنس بن مالك -رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تنصب الموازين يوم القيامة، فيؤتى بأهل الصدقة، فيوفّون أجورهم بالموازين، وكذلك الصلاة والحجّ، ويؤتى بأهل البلاء، فلا ينصب لهم ميزان، ولا ينشر لهم ديوان، ويصبّ عليهم الأجر بغير حساب، قال تعالى: {إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ} حتى يتمنى أهل العافية في الدّنيا أنّ أجسادهم تقرض بالمقاريض، ممّا يذهب به أهل

<<  <  ج: ص:  >  >>