للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجزاء؛ ذكروه بمثل لفظه؛ وإن كان مخالفا له في معناه، وعلى ذلك جاء القرآن، والسنة، قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ} الآية رقم [١٩٤] الآتية، انظر ما ذكرته فيها، وقال تعالى في سورة (الشورى) رقم [٤٠]: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} والجزاء لا يكون سيئة، والقصاص لا يكون اعتداء؛ لأنه وجب بحقّ، وهو كثير في كتاب الله، قد شرحته في محالّه، والحمد لله! وتختلف في المعنى كقول ابن الشّمقمق في المشاكلة: [الكامل]

أصحابنا قصدوا الصّبوح بسحرة... وأتى رسولهم إليّ خصّيصا

قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه... قلت اطبخوا لي جبّة وقميصا

هذا والاستهزاء بالناس حرام، فقد نهى الله ورسوله عنه، قال تعالى في سورة الحجرات:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ..}. إلخ. وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم في بيان مصير المستهزءين بالناس ومآلهم يوم القيامة: «إنّ المستهزءين بالناس يفتح لأحدهم في الآخرة باب من الجنّة، فيقال له: هلمّ! فيجيء بكربه، وغمّه، فإذا جاءه؛ أغلق دونه، ثمّ يفتح له باب آخر، فيقال له: هلمّ! هلمّ! فيجيء بكربه، وغمّه، فإذا جاءه؛ أغلق دونه، فما يزال كذلك؛ حتّى إنّ أحدهم ليفتح له الباب من أبواب الجنّة، فيقال له: هلمّ! فما يأتيه من الإياس». رواه البيهقيّ مرسلا من رواية الحسن البصريّ-رضي الله عنه-، وانظر ما ذكرته في سورة (المطففين) رقم [٣٤] فإنّه جيد، والحمد لله! وانظر الآية رقم [٢١١] الآتية.

{وَيَمُدُّهُمْ:} أي يطيل لهم المدّة، ويمهلهم، ويملي لهم، كما قال تعالى في سورة (آل عمران) رقم [١٧٨]: {إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ،} وقال تعالى في سورة (ن) رقم [٤٤] وفي سورة (الأعراف) أيضا برقم [١٨٢] و [١٨٣] {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} قال بعض العلماء في هذه الآية: كلّما أحدثوا ذنبا؛ أحدث لهم نعمة، وهم لا يعلمون: أنه استدراج. وعن عقبة بن عامر-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا رأيتم الله يعطي العبد ما يحبّ، وهو مقيم على معصيته؛ فذلك منه تعالى استدراج»، ثم تلا قوله تعالى في سورة (الأنعام) رقم [٤٤]: {فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ}. ذكره البغوي بغير سند، وأسنده الطّبري، ولا تنس قوله تعالى في سورة (مريم) رقم [٧٥]: {قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا}.

{فِي طُغْيانِهِمْ:} كفرهم، وضلالهم، وأصل الطّغيان: مجاوزة الحد، يقال: طغى، يطغى، ويطغو طغيانا، وطغوانا: جاوز الحد، وكلّ مجاوز حدّه في العصيان طاغ، قال تعالى في حق فرعون: {إِنَّهُ طَغى} أي: أسرف في الدعوى؛ حيث قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى} والمعنى في الآية:

يمدّهم بطول العمر؛ حتى يزيدوا في الطّغيان، فيزيدهم في عذابهم. هذا؛ وطغى البحر: هاجت

<<  <  ج: ص:  >  >>