للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنامِها أي: يقبضها عن التصرف مع بقاء أرواحها في أجسادها. قال تعالى في سورة (الأنعام) رقم [٦٠]: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ}. انظر تفسيرها هناك، ففيه كبير فائدة. {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} أي: لا يردها إلى أجسادها. {وَيُرْسِلُ الْأُخْرى} أي: النائمة يردها إلى بدنها عند اليقظة، إلى أجل مسمى. أي: الوقت المضروب لموت صاحبها. وهو غاية وقت الإرسال.

هذا؛ وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-وغيره من المفسرين: إن أرواح الأحياء، والأموات تلتقي في المنام، فتتعارف ما شاء الله منها، فإذا أراد جميعها الرجوع إلى الأجساد، أمسك الله أرواح الأموات عنده، وأرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها. وقال سعيد بن جبير -رحمه الله تعالى-أيضا: إن الله يقبض أرواح الأموات؛ إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا، فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف. {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى} أي: يعيدها.

وقال علي-كرم الله وجهه-: فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها؛ فهي الرؤيا الصادقة، وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها؛ تلقيها الشياطين، وتخيل إليها الأباطيل، فهي الرؤيا الكاذبة.

وقال ابن زيد-رحمه الله تعالى-: النوم وفاة والموت وفاة. وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لتموتنّ كما تنامون، ولتبعثنّ كما تستيقظون». وقال عمر-رضي الله عنه-: النوم أخو الموت. ومن حديث جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قيل: يا رسول الله! أينام أهل الجنة؟ قال: «لا، النوم أخو الموت، والجنة لا موت فيها».

هذا؛ واختلف الناس من هذه الآية في النفس، والروح: هل هما شيء واحد، أو شيئان على ما ذكرنا؟ والأظهر: أنهما شيء واحد، وهو الذي تدل عليه الآثار الصحاح، من ذلك حديث أم سلمة-رضي الله عنها-قالت: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سلمة، وقد شقّ بصره، فأغمضه، ثم قال: «إنّ الرّوح إذا قبض تبعه البصر». وحديث أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره، قال: فذلك حين يتبع بصره نفسه». خرجهما مسلم. انتهى. كله من القرطبي بتصرف. هذا؛ وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٨] من سورة (الروم) في شرح النفس. وانظر {لِأَجَلٍ} برقم [٥].

{إِنَّ فِي ذلِكَ} أي: المذكور من التوفي، والإمساك، والإرسال. {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} أي:

في كيفية تعلقها بالأبدان، وتوفيها عنها بالكلية حين الموت، وإمساكها باقية لا تفنى بفنائها، وما يعتريها من السعادة، والشقاوة، وفي الحكمة في توفيها عن ظواهرها، وإرسالها حينا بعد حين إلى توفي آجالها. انتهى. بيضاوي. وانظر (التفكر) في الآية رقم [٢١] من سورة (الروم) أيضا؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

<<  <  ج: ص:  >  >>