دخولي تحت قولك: يا عبادي... وأن صيّرت أحمد لي نبيّا
وقال حرب بن شريح: سمعت جعفر بن محمد، بن علي، يقول: إنكم يا معشر أهل العراق تقولون: أرجى آية في كتاب الله: {قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا..}. إلخ، وإنا أهل البيت نقول: أرجى آية في كتاب الله {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى} من سورة (الضحى) وقال بعضهم في هذا المعنى: [الوافر] قرأنا في الضحى ولسوف يعطي... فسرّ قلوبنا ذاك العطاء
وحاشا يا رسول الله ترضى... وفينا من يعذّب أو يساء
قال الخازن-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: حمل هذه الآية على ظاهرها يكون إغراء بالمعاصي، وإطلاقا في الإقدام عليها، وذلك لا يمكن. قلت: المراد منها التنبيه على أنه لا يجوز أن يظن العاصي: أنه لا مخلص له من العذاب، فإنّ من اعتقد ذلك؛ فهو قانط من رحمة الله؛ إذ لا أحد من العصاة إلا ومتى تاب زال عقابه، وصار من أهل المغفرة، والرحمة، فمعنى قوله:{إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} أي: إذا تاب، وصحت توبته، غفرت ذنوبه، ومن مات قبل أن يتوب، فهو موكول إلى مشيئة الله تعالى، فإن شاء؛ غفر له، وعفا عنه، وإن شاء؛ عذبه بقدر ذنوبه، ثم يدخله الجنة بفضله ورحمته، فالتوبة واجبة على كل واحد، وخوف العقاب مطلوب، فلعل الله يغفر مطلقا، ولعله يعذب، ثم يعفو عنه بعد ذلك. والله أعلم. انتهى.
بحروفه، وخذ قول اللقاني في جوهرة التوحيد، فهو موافق لما قاله:[الرجز]
ومن يمت ولم يتب من ذنبه... فأمره مفوّض لربّه
ثم ذكر الخازن جملة ممتازة من أحاديث النبي صلّى الله عليه وسلّم الشريفة: أكتفي بذكر الحديث القدسي، الذي يرويه أنس-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: قال الله عز وجل: «يا بن آدم! إنك ما دعوتني، ورجوتني؛ غفرت لك على ما كان منك، ولا أبالي! يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني؛ غفرت لك، ولا أبالي! يا بن آدم! لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا؛ لأتيتك بقرابها مغفرة». أخرجه الترمذي.
قال الجمل: وعبارة النهر: ولما كانت هذه الآية فسحة عظيمة للمسرف؛ أتبعها بأن الإنابة-وهي الرجوع-مطلوبة، مأمور بها. ثم توعد من لم يتب بالعذاب؛ حتى لا يبقى المرء كالمهمل من الطاعة، والمتكل على الغفران دون إنابة. انتهى. وفي هذه الآية من أنواع المعاني والبيان أشياء حسنة، منها:
إقباله عليهم، ونداؤهم. ومنها: إضافتهم إليه إضافة تشريف. ومنها: الالتفات من التكلم إلى الغيبة في قوله: {مِنْ رَحْمَةِ اللهِ}. ومنها: إضافة الرحمة لأجل أسمائه الحسنى. ومنها: إعادة الظاهر بلفظه في قوله: {إِنَّ اللهَ}. ومنها: إبراز الجملة من قوله: {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} مؤكدة ب: {إِنَّ،}