للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفصل، وبإعادة الصفتين اللتين تضمنتهما الآية السابقة، انتهى. نقلا عن السمين.

هذا؛ وأقول: إن لقبول التوبة شروطا، فإن كانت من حق الله؛ فلها ثلاثة شروط: الندم بالجنان، والاستغفار باللسان، والإقلاع بالأركان. وإن كانت من حق العبد؛ فلا بد من رجوع الحق لصاحبه بقدر الإمكان. قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} الآية رقم [٨] من سورة (التحريم).

تنبيه: اختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية الكريمة، وذكروا أسبابا كثيرة، وأعتمد:

أنها نزلت في وحشي قاتل الحمزة، وأصحابه، وذلك: أنه لما قتل الحمزة-رضي الله عنه- ورجع إلى مكة؛ ندم هو وأصحابه، فكتبوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنا قد ندمنا على ما صنعنا، وإنه ليس يمنعنا عن الإسلام إلا أنا قد سمعناك بمكة تقول: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ..}. إلخ رقم [٦٨] من سورة (الفرقان) وقد دعونا مع الله إلها آخر، وقتلنا النفس التي حرم الله، وزنينا، فلولا هذه الآية؛ لاتبعناك، فنزل قوله تعالى: {إِلاّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً..}. إلخ رقم [٧٠] و [٧١] من سورة (الفرقان) فبعث بهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليهم، فلما قرؤوها كتبوا إليه: هذا شرط شديد، ونخاف أن لا نعمل صالحا، فنزلت: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ..}. إلخ الآية رقم [٤٨] من سورة (النساء). فبعث بها إليهم. فبعثوا إليه: إنا نخاف ألا نكون من أهل المشيئة، فنزلت الآية التي نحن بصدد شرحها، فبعث بها إليهم، فدخلوا في الإسلام، ورجعوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقبل منهم، ثم قال لوحشي: أخبرني كيف قتلت الحمزة؟ فلما أخبره، قال: ويحك غيب وجهك عني! فلحق بالشام، فكان به إلى أن مات. انتهى. خازن.

أقول: والمشهور: أن هذا كان بعد فتح مكة، بعد أن أهدر الرسول صلّى الله عليه وسلّم دم وحشي فيمن أهدر، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، فتوسل ببعض أصحابه فأدخله على النبي الكريم، فعفا عنه، وحصل ما حصل من المناقشة شفاها، ونزلت الآية التي ذكرتها متفرقات.

الإعراب: {قُلْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت». (يا): أداة نداء تنوب مناب:

أدعو. (عبادي): منادى منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {الَّذِينَ:}

اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب صفة: (عبادي)، أو هو عطف بيان عليه، ولا تجوز البدلية؛ لأن البدلية على نية تكرار العامل، ولا يصح أن تقول: «يا» الذين بدون «أي»: قبله، وهذه إحدى مسألتين تمتنع فيهما البدلية، ويتعين فيهما عطف البيان، قال ابن مالك-رحمه الله تعالى-في ألفيته: [الرجز]

وصالحا لبدلية يرى... في غير نحو يا غلام يعمرا

<<  <  ج: ص:  >  >>