{مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} يريد به الملك، وقال تعالى سورة (الحاقة) الآية رقم [٤٥]: {لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} أي:
لأخذنا قوته وقدرته. وقال الفراء والمبرد: اليمين القوة والقدرة، قال الشاعر:[الطويل]
ولما رأيت الشّمس أشرق نورها... تناولت منها حاجتي بيميني
قتلت شنيفا، ثمّ فاران بعده... وكانا على الآيات غير أمين
وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٨] من سورة (الصافات). وإنما خص يوم القيامة بالذكر، وإن كانت قدرته شاملة لكل شيء في كل زمان، ومكان؛ لأن الدعاوى تنقطع في ذلك اليوم، كما قال تعالى في سورة الانفطار:{وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ،} وقال في سورة الفاتحة: {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وقوله تعالى في سورة (غافر) رقم [١٦]: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ}.
وإنما قدم الأرض بالذكر لمباشرة الخلق لها، ومعرفتهم بحقيقتها، ولما كان في دار الدنيا من يدعي الملك، والقهر، والعظمة، والقدرة دون الآخرة؛ فالأمر فيها لله وحده ظاهرا، وباطنا.
قال في يوم القيامة:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}.
وعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: جاء جبريل-عليه السّلام-إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:«يا محمد! إن الله يضع السماء على إصبع، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر والأنهار على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يقول: أنا الملك! فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: {وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ»}. وفي رواية «والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن». وفيه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضحك حتى بدت نواجذه تعجبا، وتصديقا له. ثم قرأ:{وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ}. متفق عليه، وعن ابن عمر-رضي الله عنهما-قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يطوي الله السموات يوم القيامة، ثمّ يأخذهنّ بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك! أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك! أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟». متفق عليه أيضا.
{سُبْحانَهُ:} تنزه، وتقدس، وتعاظم عن الذي يشركونه معه من الحجارة، والأوثان. هذا؛ وفي الجامع الصغير عن أبي يعلى، وابن السني، عن الحسين السّبط-رضي الله عنهما-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«أمان لأمّتي من الغرق؛ إذا ركبوا البحر أن يقولوا:{بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها..}. إلخ {وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ..}. إلخ. انتهى. وآخر الآية الأولى:{وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ} وآخر الثانية {يُشْرِكُونَ»}. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: من قرأ هاتين الآيتين، فعطب، أو غرق فعليّ ذلك. انتهى. جمل نقلا عن المناوي.
هذا؛ وفي الآية استعارة تمثيلية مثل لعظمته، وكمال قدرته، وحقارة الأجرام العظام؛ التي تتحير فيها الأوهام بالنسبة لقدرته تعالى بمن قبض شيئا عظيما بكفه، وطوى السموات بيمينه بطريق