آنفا، وفنّد دعواهم فيها، وقال في هذه الآية: وأقول لو كان لواو الثمانية حقيقة لم تكن الآية منها؛ إذ ليس فيها عدد ألبتّة، وإنما ذكر فيها الأبواب، وهي جمع لا يدل على عدد خاص، ثم الواو ليست داخلة عليه، بل على جملة هو فيها، وقد مر: أن الواو مقحمة في: {وَفُتِحَتْ} عند قوم، وعاطفة عند آخرين. وقيل. هي واو الحال؛ أي: جاؤوها مفتّحة أبوابها، كما صرح ب:
{مُفَتَّحَةً} حالا في {جَنّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ} وهذا قول المبرد، والفارسي، وجماعة. قيل:
وإنما فتحت لهم قبل مجيئهم إكراما لهم عن أن يقفوا حتى تفتح لهم. انتهى. مغني اللبيب بتصرف.
{وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ..}. إلخ: تقول لهم خزنة الجنة هذا بعد وصولهم إلى أبواب الجنة، وبعد مجاوزة الصراط، وحبسهم على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص ما كان بينهم من مظالم الدنيا؛ حتى إذا هذّبوا، ونقّوا؛ أذن لهم في دخول الجنة، وإن أحدهم لأعرف بمنزله في الجنة منه بمنزله الذي كان له في الدنيا. {طِبْتُمْ} أي: طابت أعمالكم، وأقوالكم، وسعيكم، وطاب جزاؤكم. {فَادْخُلُوها خالِدِينَ:} ماكثين مقيمين، لا تبغون عنها حولا. وفي سوقهم إلى الجنة زمرا، وفي دخولهم زمرا، خذ ما يلي:
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أوّل زمرة يدخلون الجنّة على صورة القمر ليلة البدر، والّذين يلونهم على أشدّ كوكب درّيّ في السماء إضاءة، لا يبولون، ولا يتغوّطون، ولا يمتخطون، ولا يتفلون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوّة، أزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء».
وفي رواية قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«أوّل زمرة تلج الجنة، صورهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها، ولا يمتخطون، ولا يتغوّطون، آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذّهب والفضة، ومجامرهم الألوّة، ورشحهم المسك، لكلّ واحد منهم زوجتان، يرى مخّ سوقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب رجل واحد، يسبّحون الله بكرة وعشيّا». رواه البخاري ومسلم، واللفظ لهما، والترمذي، وابن ماجه، وإن أردت الزيادة؛ فانظر:«الترغيب والترهيب» للحافظ المنذري في وصف الجنة، والنار.
الإعراب:{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً:} انظر الآية السابقة. {حَتّى إِذا جاؤُها:} انظرها أيضا، فالإعراب واحد، لا يتغير، وجملة {وَفُتِحَتْ أَبْوابُها} في محل نصب حال من: {الْجَنَّةِ،} والرابط: الواو، والضمير، و «قد» قبلها مقدرة، وعليه فالجواب محذوف، تقديره: سروا وفرحوا، وإن اعتبرت الواو زائدة فهي في جواب {إِذا} انظر الكلام على الواو، وجملة:{وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها} معطوفة عليها، على جميع الوجوه المعتبرة بالواو. هذا؛ وأجاز