للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا أعدّت من الفعل الجميل قرى... ضيف ألمّ برأسي غير محتشم

لو كنت أعلم أنّي ما أوقّره... كتمت سرّا بدا لي منه بالكتم

روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «الصديقون: حبيب النّجار مؤمن آل ياسين، ومؤمن آل فرعون الّذي قال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ} والثالث: أبو بكر الصّدّيق، وهو أفضلهم». وانظر ما ذكرته في سورة (يس) رقم [٢٥] فإنه جيد جدا.

{أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ} أي: بالمعجزات الظاهرات، يعني الآيات التسع إن كان هذا في آخر الأمر، ولكن الظاهر: أن تهديد فرعون، ووعيده بقتل موسى إنما كان في أول الأمر حينما رأى معجزة العصا، وانقلابها حية. وعليه: فالمراد ب‍: (البينات) معجزة العصا وحدها، وجمعها تعظيما لها، ورفعة لشأنها، أو المراد غيرها معها؛ لأنه اعتقد: أن موسى-عليه السّلام-سيجيء بمعجزات كثيرة غيرها.

عن عروة بن الزبير-رضي الله عنهما-قال لعبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنه-:

أخبرني بأشد ما صنعه المشركون برسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بفناء الكعبة؛ إذ أقبل عقبة بن أبي معيط لعنه الله، فأخذ بمنكب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه به خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر-رضي الله عنه-فأخذ بمنكبه، ودفعه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال:

{أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ}. أخرجه البخاري، ومسلم.

وخرج الترمذي الحكيم في نوادر الأصول من حديث جعفر بن محمد عن أبيه، عن علي -رضي الله عنه-قال: اجتمعت قريش بعد وفاة أبي طالب بثلاث، فأرادوا قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأقبل هذا يجؤه، وهذا يتلتله، فاستغاث النبي صلّى الله عليه وسلّم يومئذ، فلم يغثه أحد إلا أبو بكر-رضي الله عنه-وله ضفيرتان، فأقبل يجأ هذا، ويتلتل ذا، ويقول بأعلى صوته: ويلكم {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ!} والله إنه لرسول الله! فقطعت إحدى ضفيرتي أبي بكر يومئذ، فقال علي كرم الله وجهه: والله ليوم أبي بكر، خير من مؤمن آل فرعون! إن ذلك رجل كتم إيمانه، فأثنى الله عليه في كتابه، وهذا أبو بكر أظهر إيمانه، وبذل ماله ودمه لله عز وجل.

{وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ:} لم يكن هذا منه لشك منه في رسالة موسى، وصدقه، ولكن تلطفا في الاستكفاف، واستنزالا عن الأذى. والمعنى: إن كان كاذبا عن دعوى الرسالة؛ فضرر كذبه لا يتعداه. {وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} أي: وإن كان صادقا في دعواه؛ أصابكم بعض ما وعدكم به من العذاب. إذا من العقل، والرأي الحازم أن تتركوه؛ ونفسه، فلا تؤذوه، ولا تتعرضوا له بسوء، بل اتركوه؛ وشأنه.

{إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ} أي: لا يوفق إلى طريق الخير من هو متجاوز الحد؛ الذي رسمه له الله تعالى و {كَذّابٌ} يفتري، ويختلق ما لا أصل له، ولو كان موسى كاذبا

<<  <  ج: ص:  >  >>