للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما تزعمون؛ لكان أمره بينا، يظهر لكل أحد في أقواله، وأفعاله، وهذا نرى أمره سديدا، ومنهجه مستقيما، ولو كان من المسرفين الكذابين؛ لما هداه الله، وسدد خطاه، وأرشده إلى ما ترون من انتظام أمره، وفعله. انتهى. مختصر ابن كثير.

هذا؛ وقال في البحر: هذا نوع من أنواع علم البيان، يسميه علماؤنا: استدراج المخاطب، وذلك: أنه لما رأى فرعون قد عزم على قتل موسى، وقومه على تكذيبه، أراد الانتصار له بطريق يخفى عليهم بها: أنه متعصب له، وأنه من أتباعه، فجاءهم بطريق النصح، والملاطفة، فقال:

{أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً} ولم يذكر اسمه، بل قال: رجلا ليوهمهم: أنه لا يعرفه، ثم قال: {أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ} ولم يقل: رجلا مؤمنا بالله، أو هو نبي الله؛ إذ لو قال ذلك؛ لعلموا: أنه متعصب له، ولم يقبلوا قوله، ثم أتبعه بقوله: {وَإِنْ يَكُ كاذِباً} فقدم الكذب على الصدق موافقة لرأيهم فيه، ثم تلاه بقوله: {وَإِنْ يَكُ صادِقاً} ولم يقل: هو صادق، وكذلك قال: {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} ولم يقل: كل ما يعدكم، ولو قال ذلك؛ لعلموا: أنه متعصب له، وأنه يصدقه، وأنه يزعم نبوته، ثم أتبعه بكلام يفهم منه: أنه ليس بمصدق له، وهو قوله: {إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ} وفيه تعريض بفرعون؛ إذ هو في غاية الإسراف والكذب على الله؛ إذ ادّعى الألوهية، والربوبية. انتهى. صفوة التفاسير.

هذا؛ و {يَكُ} أصله: يكون، فلما دخل الجازم صار: (إن يكون) فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، فصار: (إن يكن) ثم حذفت النون للتخفيف، ولكثرة الاستعمال. وهذا الحذف جائز، وغير لازم، وله شروط: أن يكون مضارعا ناقصا من: «كان»، وأن يكون مجزوما بالسكون، وأن لا يكون بعده ساكن، وألا يتصل به ضمير كما في الآية الكريمة، وغيرها كثير، وهو وارد في الكلام العربي شعرا، ونثرا، ولا تحذف النون عند فقد الشروط إلا في ضرورة الشعر، كما في قول الشاعر، وهو الشاهد رقم [٢٤٤] من كتابنا: «فتح رب البرية»: [الطويل]

إذا لم تك الحاجات من همّة الفتى... فليس بمغن عنك عقد الرّتائم

وقال الخنجر بن صخر الأسدي، وهو الشاهد رقم [٢٤٣] من كتابنا: «فتح رب البرية»: [الطويل] فإن لم تك المرآة أبدت وسامة... فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم

هذا؛ وقرئ شاذا قوله تعالى في سورة (البينة): «(لم يك الذين كفروا من أهل الكتاب)» ولم تحذف النون في قول أبي الأسود الدؤلي-رحمه الله تعالى-لجريانه على القاعدة: [الطويل]

دع الخمر تشربها الغواة فإنني... رأيت أخاها مجزئا بمكانها

فإلاّ يكنها، أو تكنه فإنّه... أخوها غذته أمّه بلبانها

<<  <  ج: ص:  >  >>