للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعباده، قال تعالى في سورة (الطلاق): {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى}.

{وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا..}. إلخ: هذا خطاب للآباء إذا أرادوا أن يستأجروا مرضعات لأولادهم غير أمهاتهم، فلا إثم عليهم، ولا حرج، ولا سيما إذا تزوّجت أم الولد غير أبيه بعد طلاقها منه، أو طلبت فوق أجرة المثل. والسين، والتاء للطلب، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، وانظر الالتفات في الآية رقم [١٣١].

{إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} أي: دفعتم الأجرة إلى المرضعة كاملة. وقال مجاهد:

أسلمتم إلى الأمهات أجرهنّ بحساب ما أرضعن إلى وقت الاسترضاع. و (المعروف):

الإحسان، والإجمال في القول. أمروا أن يكونوا عند تسليم الأجرة لمن ترضع الطفل مستبشري الوجوه، ناطقين بالقول الجميل، مطيبين لأنفس المراضع بما أمكن؛ حتى يؤمن تفريطهن في إرضاع الطفل. {وَاتَّقُوا اللهَ:} خافوا الله فيما أوجب عليكم من الحقوق، وفيما أجب عليكم لأولادكم، وهو يعمّ المرضعات. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي: لا يخفى عليه خافية من جميع أعمالكم سرّها، وعلانيتها، فإنه تعالى يعلمها.

بعد هذا فقوله تعالى: {وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ} مثل قوله تعالى في سورة (لقمان) رقم [١٤]: {وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ} وقد استنتج من الآيتين ومن آية (الأحقاف) رقم [١٥] وهي قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً:} أنّ أقل مدة الحمل ستة أشهر. وهو استنتاج قوي، وصحيح.

روى محمّد بن إسحاق عن معمر بن عبد الله الجهني، قال: تزوّج رجل منّا امرأة من جهينة، فولدت ولدا لتمام ستّة أشهر من زواجها، فانطلق زوجها إلى عثمان-رضي الله عنه-فذكر ذلك له، فبعث إليها، فلما قامت لتلبس ثيابها؛ بكت أختها، فقالت: ما يبكيك؟ فو الله ما التبس بي أحد من خلق الله تعالى غيره قطّ، فيقضي الله سبحانه وتعالى فيّ ما شاء، فلمّا أتي بها عثمان-رضي الله عنه-أمر برجمها، فبلغ ذلك عليّا-رضي الله عنه-فأتاه، فقال: ما تصنع؟ قال: ولدت لستة أشهر، وهل يكون ذلك؟ فقال له عليّ كرم الله وجهه: أما تقرأ القرآن؟ قال: بلى! قال: أما سمعت الله عز وجل يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} وقال في سورة (البقرة): {وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ..}.

إلخ، وقال في سورة (لقمان): {وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ} فلم تجده بقي إلا ستة. قال: فقال عثمان -رضي الله عنه-: والله ما فطنت بهذا، عليّ بالمرأة، فوجدوها قد فرغ منها، قال: فقال معمر -رضي الله عنه-: فو الله ما الغراب بالغراب، ولا البيضة بالبيضة بأشبه منه بأبيه، فلمّا رآه أبوه، قال: إنّي والله لا أشك فيه. قال: وابتلاه الله تعالى بهذه القرحة بوجهه الآكلة، فما زالت تأكله؛ حتّى مات. أخرجه ابن أبي حاتم. انتهى. مختصر ابن كثير. انظر ما قاله معاوية في حقّ عليّ في الآية السابقة، وقد صار مثلا من الأمثال عند وجود مشكلة معضلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>