للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبادة، ثم قرأ: {وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ..}. إلخ». وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ورواه أيضا، أبو داود، والنسائي، وابن ماجه. وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-أنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أعطيت أمتي ثلاثا، لم تعط إلا للأنبياء:

كان الله تعالى إذا بعث النبيّ، قال: ادعني أستجب لك، وقال لهذه الأمّة: {اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}. وكان الله إذا بعث النبيّ قال: ما جعل عليك في الدّين من حرج، وقال لهذه الأمة: {وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}. وكان الله إذا بعث النبيّ جعله شهيدا على قومه، وجعل هذه الأمة شهداء على النّاس». ذكره الترمذي الحكيم في «نوادر الأصول».

وكان خالد الربعي يقول: عجيب لهذه الأمة! قيل لها: {اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} أمرهم بالدعاء، ووعدهم الاستجابة، وليس بينهما شرط. قال له قائل: مثل ماذا؟ قال مثل قوله تعالى:

{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ} فها هنا شرط. انتهى. قرطبي بتصرف. وجملة القول:

أمرنا الله بالدعاء، ووعدنا الإجابة، كيف لا؟ وقد قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [١٨٦]:

{وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ}. وقال جل شأنه في سورة (الأعراف) رقم [٥٥]: {اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} والنبي صلّى الله عليه وسلّم حثنا على الدعاء، ورغبنا فيه حتى جعله رأس العبادة، ومخ الطاعة. وخذ ما يلي:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدّين، ونور السموات والأرض». رواه الحاكم. وعن عائشة-رضي الله عنها-قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع ممّا نزل، وممّا لم ينزل، وإنّ البلاء لينزل، فيلقاه الدعاء، فيعتلجان إلى يوم القيامة». رواه الطبراني، والحاكم.

وعن أنس-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «الدعاء مخّ العبادة». رواه الترمذي.

وعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سلوا الله من فضله، فإنّ الله يحبّ أن يسأل. وأفضل العبادة انتظار الفرج». رواه الترمذي.

هذا؛ وإن للدعاء شروطا، وآدابا، وأركانا يجب توافرها لتحقيق الإجابة. وخذ ما يلي: مرّ إبراهيم بن أدهم-رحمه الله تعالى-بسوق البصرة، فاجتمع إليه الناس، وقالوا: يا أبا إسحاق! ما لنا ندعو، فلا يستجاب لنا؟! قال: لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء: عرفتم الله، فلم تؤدوا حقه. زعمتم أنكم تحبون رسول الله، وتركتم سنته. قرأتم القرآن، فلم تعملوا به. أكلتم نعم الله، فلم تؤدوا شكرها. قلتم: الشيطان عدوكم، فلم تخالفوه. قلتم: الجنة حق، فلم تعملوا لها.

قلتم: النار حق، ولم تهربوا منها. قلتم: الموت حق، ولم تستعدوا له. انتبهتم من النوم، فاشتغلتم بعيوب الناس، ونسيتم عيوبكم. ودفنتم موتاكم، ولم تعتبروا.

هذا؛ وقال الخازن-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: كيف قال الله تعالى: {اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وقد يدعو الإنسان كثيرا، فلا يستجاب له؟! قلت: للدعاء شروط: منها: الإخلاص في الدعاء،

<<  <  ج: ص:  >  >>