للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن لا يدعو؛ وقلبه لاه مشغول بغير الدعاء، وأن يكون المطلوب بالدعاء مصلحة للإنسان، وأن لا يكون فيه قطيعة رحم. فإن كان الدعاء بهذه الشروط؛ كان حقيقا بالإجابة، فإما أن يعجلها له، وإما أن يؤخرها له إلى الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. يدل عليه ما روي عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من رجل يدعو الله بدعاء إلاّ استجيب له، فإمّا أن يعجّل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعاه؛ ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، أو يستعجل». قالوا: يا رسول! وكيف يستعجل؟ قال: يقول:

«دعوت ربّي فما استجاب لي». أخرجه الترمذي، وقال: حديث غريب. انتهى. بتصرف.

وعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إمّا أن يعجّل له دعوته، وإمّا أن يدّخرها له في الآخرة، وإمّا أن يصرف عنه من السوء مثلها». قالوا: إذا نكثر! قال: «الله أكثر».

رواه أحمد، والحاكم، وغيرهما. هذا؛ لا تنس: أن لفظ رجل يشمل المرأة، ولفظ مسلم يشمل المسلمة، فالمرأة مثل الرجل في كل مأمور به، ومنهي عنه.

هذا؛ وقال الغزالي-رحمه الله تعالى-: فإن قيل: فما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له؟ فاعلم: أن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء، فالدعاء سبب لرد البلاء، ووجود الرحمة، كما أن الترس سبب لدفع السلاح، والماء سبب لخروج النبات من الأرض، فكما أن الترس يدفع السهم، فيتدافعان، فكذلك الدعاء، والبلاء. قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع ممّا نزل، وممّا لم ينزل، وإنّ البلاء لينزل، فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة». أخرجه الطبراني، والحاكم عن عائشة-رضي الله عنها-. وليس من شرط الاعتراف بالقضاء ألا يحمل السلاح، وألا يسقي الأرض، وقد قال تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} رقم [١٠١] من سورة (النساء)، فقدر الله تعالى الأمر، وقدر سببه. انتهى. بتصرف.

هذا؛ وقد تعدى الفعل: {أَسْتَجِبْ لَكُمْ} باللام، وقد عدّي بنفسه في قول كعب بن سعد الغنوي في رثاء أخيه: [الطويل]

وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى... فلم يستجبه عند ذاك مجيب

والفرق بين الآية والبيت: أن هذا الفعل يتعدى إلى الدعاء بنفسه، وإلى الداعي باللام، ويحذف الدعاء إذا عدّي إلى الداعي في الغالب، فيقال: استجاب الله دعاءه، أو استجاب له، ولا يكاد يقال: استجاب له دعاءه، وأما البيت؛ فمعناه: لم يستجب دعاءه (على حذف المضاف). هذا؛ والسين والتاء زائدتان؛ لأن (استجاب) بمعنى: أجاب.

{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي:} انظر الكبر، والتكبر في الآية رقم [٦٠] من سورة (الزمر)، وانظر شرح العبادة في الآية رقم [٦٠] من سورة (يس). {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ:} هذا وعيد، لا بد أن ينفذ

<<  <  ج: ص:  >  >>