{وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا:} اختلفوا في هذا السّر المنهي عنه، فقيل: هو الزّنى؛ كان الرجل يدخل على المرأة يعرّض بالنّكاح، ومراده الزّنى، ويقول لها: عديني، فإذا انقضت عدّتك؛ أظهرت نكاحك. ومنه قول الأعشى من قصيدته الّتي مدح بها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:[الطويل]
فلا تقربنّ جارة إنّ سرّها... عليك حرام فانكحن أو تأبّدا
وقال الحطيئة:[الوافر]
ويحرم سرّ جارتهم عليهم... ويأكل جارهم أنف القصاع
وقيل: السرّ: الجماع؛ أي: لا تصفوا أنفسكم لهن بكثرة الجماع ترغيبا لهن في النّكاح، فإنّ ذكر الجماع مع غير الزّوجة فحش. وهذا قول الشّافعي، رضي الله عنه. وقال امرؤ القيس:[الطويل]
ألا زعمت بسباسة اليوم أنّني... كبرت وألاّ يحسن السّرّ أمثالي
{إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً:} هو ما ذكر من التعريض بالخطبة من غير تصريح بذلك، و {إِلاّ} متعلّق. {لا تُواعِدُوهُنَّ} أي: لا تواعدوهن مواعدة قطّ إلا مواعدة معروفة غير منكرة.
{وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ} أي: لا تعقدوا عقد النكاح على معتدة الوفاة، أو غيرها حتّى تنتهي عدّتها المفروضة عليها. وعزم على الشيء: قرر، وصمّم على فعله، وذكر العزم للمبالغة في النّهي عن مباشرة النكاح، فإذا نهى عنه؛ كان النهي عن الفعل من باب أولى. هذا؛ وسمّى الله العدّة، وانتهاءها: كتابا؛ لأنها فرضت به، وهو كقوله تعالى:
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ} و {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ}.
{وَاعْلَمُوا..}. إلخ؛ أي: اعتقدوا، وأيقنوا: أنّ الله يعلم ما تخفون في أنفسكم، وما تظهرون من أقوالكم، وأعمالكم، {فَاحْذَرُوهُ:} خافوا حسابه، وعقابه، ففيه تهديد، ووعيد لمن يخالف الشّرع الشّريف في هذه الأحكام، أو بعضها. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ:} لا يعجل بالعقوبة على من عصاه، بل يستر عليه. هذا؛ واختلفوا فيمن تزوّج امرأة في عدّتها، فدخل بها، فإنه يفرّق بينهما، ويجب عليها عدّتان: إتمام عدة الأول، واستئناف عدّة الثاني، وهل تحرم عليه أبدا؟ قولان: الجمهور على أنّها لا تحرم عليه، بل له أن يخطبها إذا انقضت عدتها. وذهب الإمام مالك-رحمه الله تعالى-إلى أنّها تحرم عليه على التأبيد، ومأخذ هذا أنّ الزّوج لما استعجل ما أجّل الله؛ عوقب بنقيض قصده، فحرمت عليه على التأبيد. كالقاتل لمورثه يحرم من الميراث. ومن طلب شيئا قبل أوانه؛ عوقب بحرمانه.
تنبيه: عدّة الوفاة عدّة تفجّع مهما كان عمر المرأة، وأمّا عدّة الطلاق؛ فالغالب: أنها لبراءة الرّحم من الحمل، وقد تكون تعبّديّا، كطلاق الآيسة، والصّغيرة؛ الّتي لم تحض. والله أعلم بمراده، وأسراره.