للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} أي: لقالوا: أقرآن أعجمي، ونبي عربي؟! هذا؛ والأعجمي: هو الذي لا يفصح في كلامه، والعرب تسمي كل من لا يعرف لغتهم، ولا يتكلم بكلامهم: أعجميا.

وقال الفراء: الأعجم: هو الذي في لسانه عجمة؛ وإن كان عربيا، ومنه سمي زياد الأعجم؛ لأنه كان في لسانه عجمة؛ أي: لكنة مع كونه من العرب. والأعجمي، والعجمي: الذي أصله من العجم، فهو منسوب إليه. هذا؛ والأعرابي: هو الذي يسكن في البادية، والعربي: هو الذي يسكن الأمصار من بلاد العرب، وهو منسوب إلى العرب، وجمع الأول: الأعراب، كما في الآية رقم [٩٠] من سورة (التوبة)، وجمع الثاني: العرب، والعرب والعرب واحد، كالعجم، والعجم، فبينهما طباق التضاد. هذا؛ وقال أبو حيان: الياء في أعجمي للمبالغة في الوصف، وليس النسب فيه حقيقا، وقال الرازي في لوامحه: فهي ك‍: (ياء) كرسي.

هذا؛ وروى سعيد بن جبير-رضي الله عنه-قال: قالت قريش: لولا أنزل القرآن عربيا، وعجميا، فيكون بعض آياته عجميا يفهمها العجم، وبعض آياته عربيا، يفهمها العرب، فنزلت الآية. وأنزل في القرآن من كل لغة، فمنه: «السجّيل» وهي فارسية، وأصلها: سنك كيل، أي:

طين، وحجر، ومنه: «الفردوس» رومية، وكذلك «القسطاس». انتهى. قرطبي، وأيضا:

«السندس»، و «الإستبرق». وانظره في محاله.

{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ} أي: يا محمد! قل: إن هذا القرآن هدى للمؤمنين من الضلالة، وشفاء لهم من الجهل، والشك، والريب. ففيه من التشبيه البليغ ما لا يخفى.

{وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} أي: بالله، وبما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم. {فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ} أي: صمم عن سماع آياته، وتفهم معانيه. {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} أي: كما أن هذا القرآن رحمة للمؤمنين، وشفاء لما في صدورهم، هو شقاء، وتعاسة على الكافرين، كما قال تعالى في سورة (الإسراء) رقم [٨٢]: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاّ خَساراً}.

قال «زاده» في حاشيته على «البيضاوي»: إن القرآن لوضوح آياته، وسطوع براهينه هاد إلى الحق، ومزيل للريب، والشك، وشفاء من داء الجهل، والكفر، والارتياب. ومن ارتاب فيه، ولم يؤمن به؛ فارتيابه إنما نشأ عن توغله في اتباع الشهوات، وتقاعده عن تفقده ما يسعده، وينجيه. انتهى. صفوة التفاسير. وانظر ما ذكرته في سورة (السجدة) رقم [٢] تجد ما يسرك، ويثلج صدرك، وانظر شرح آية الإسراء المذكورة.

{أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} أي: أولئك الكافرون بالقرآن هم شبيهون بمن ينادى من مكان بعيد، فإنه لا يسمع، ولا يفهم ما ينادى به. وهذا على سبيل التمثيل. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: يريد مثل البهيمة؛ التي لا تفهم إلا دعاء، ونداء. انتهى. صفوة التفاسير.

وقد عده بعضهم من الاستعارة التمثيلية. وقال الضحاك: ينادون يوم القيامة بأقبح أسمائهم من

<<  <  ج: ص:  >  >>