للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسبب نزول الآية: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم ذكر الساعة، وعنده قوم من المشركين، فقالوا تكذيبا، واستبعادا، وكفرا، وعنادا: متى تكون الساعة؟! ووجه مناسبة اقتراب الساعة مع إنزال الكتب، والميزان: أنّ الساعة يوم الحساب، ووضع الموازين بالقسط، فكأنه قيل: أمركم بالعدل، والتسوية، والعمل الصالح، فاعملوا بالكتاب، والعدل قبل أن يفاجئكم يوم حسابكم، ووزن أعمالكم. هذا؛ وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «بعثت أنا والساعة كهاتين». وأشار إلى السبابة، والوسطى. خرجه أصحاب السنن. هذا؛ ولم يؤنث {قَرِيبٌ} مع كونه راجعا إلى الساعة، وذلك على تأويلها باليوم، أو بالبعث، كما قيل في قوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [٥٦]: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ذكّر {قَرِيبٌ} على تأويل الرحمة بالعفو. وذكر الفراء: أنّهم التزموا التذكير في: {قَرِيبٌ} إذا لم يرد قرب النسب قصدا للفرق؛ أي: بين المراد بها قرب النسب، والمراد بها غيره.

وقال الكسائي: {قَرِيبٌ} نعت ينعت به المذكر، والمؤنث، والجمع بمعنى، ولفظ واحد.

قال الله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} وقال الشاعر: [الطويل]

وكنّا قريبا والديار بعيدة... فلمّا وصلنا نصب أعينهم غبنا

أقول: وهذا يخضع لقاعدة، وهي أنّ «فعيلا» يستوي فيه المذكر، والمؤنث، والمفرد، والمثنى، والجمع، كما في قوله: {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ} ومثله قول الشاعر، وهو الشاهد رقم [٣٨] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الطويل]

فلو أنك في يوم الرّخاء سألتني... طلاقك لم أبخل وأنت صديق

فإن قيل: كيف قال في كثير من المواضع: إن الآخرة من الدنيا قريبة، وسمى الساعة قريبة، فقال: {اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ..}. إلخ، وقال: {اِقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ،} وقال هنا: {لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ} فالجواب: أنّ الماضي كالأمس الدابر، وهو أبعد ما يكون؛ إذ لا وصول إليه، والمستقبل وإن كان بينه، وبين الحاضر سنين؛ فإنّه آت، فيوم القيامة الدنيا بعيدة منه لمضيها، ويوم القيامة في الدنيا قريب لإتيانه. انتهى. نقلا عن كرخي.

هذا؛ و (ميزان) أصلها: موزان، قلبت الواو ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها. ومثله: ميعاد، وميثاق، وميراث، وميقات. هذا؛ و {يُدْرِيكَ} ماضيه: درى بمعنى: علم، فهو من أفعال اليقين، فينصب مفعولين، كقول الشاعر وهو الشاهد رقم [٦] من كتابنا: «فتح رب البرية»: [الطويل]

دريت الوفيّ العهد يا عمرو فاغتبط... فإنّ اغتباطا بالوفاء حميد

وهو قليل؛ إذ الكثير المستعمل فيه أن يتعدّى إلى واحد بالباء، نحو: دريت بكذا، فإن دخلت همزة النقل عليه؛ تعدّى إلى واحد بنفسه، وإلى واحد بالباء، نحو قوله تعالى: {قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ}. قال شيخ الإسلام: ومحلّ ذلك إذا لم يدخل على الفعل استفهام، وإلاّ تعدّى إلى ثلاثة مفاعيل، نحو قوله تعالى في سورة (القارعة): {وَما أَدْراكَ}

<<  <  ج: ص:  >  >>