للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{مَا الْقارِعَةُ} فالكاف مفعول به أول، والجملة الاسمية بعده سدّت مسدّ المفعولين. انتهى. والذي في الهمع، والمغني، قيل: وهو الأوجه: أن الجملة الاسمية سدّت مسدّ المفعول الثاني المتعدى إليه بالحرف، فتكون في محلّ نصب بإسقاط الجار، كما في: فكرت: أهذا صحيح أم لا؟ أي: فكرت بما ذكره. انتهى. جرجاوي.

وينبغي أن تعلم: أنّ الفعل «أدرى» هنا معلق عن العمل لفظا بوقوع {لَعَلَّ} بعده.

والكوفيون يجرون الترجي مجرى الاستفهام في التعليق، إلاّ أن النحويين لم يعدوا لعلّ من المعلقات، والحق مع الكوفيين، وهو ظاهر في هذه الآية، وكقوله تعالى في سورة (عبس):

{وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى،} وقوله تعالى في سورة (الأحزاب): {وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً}.

فإن كان (درى) بمعنى: ختل؛ أي: خدع كان متعديا إلى واحد بنفسه، مثل دريت الصيد؛ أي: ختلته وخدعته، قال الأخطل التغلبي: [الطويل]

فإن كنت قد أقصدتني إذ رميتني... بسهمك فالرّامي يصيد ولا يدري

أي: يصيد، ولا يختل. ومثله قول الآخر: [الطويل]

فإن كنت لا أدري الظباء فإنني... أدسّ لهاتحت التّراب الدّواهيا

أي: لا أختل، وإن كانت بمعنى: حكّ، مثل: درى رأسه بالمدرى؛ أي: حكّ رأسه بالمشط، فهي كذلك. هذا؛ و {السّاعَةَ:} القيامة سميت بذلك؛ لأنّها تفجأ الإنسان بغتة في ساعة، لا يعلمها إلاّ الله تبارك وتعالى. وقيل: سميت ساعة لسرعة الحساب فيها؛ لأنّ حساب الخلائق يوم القيامة يكون في ساعة، أو أقل من ذلك، قال تعالى في كثير من الآيات: {إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ} وانظر الآية رقم [٦١] من سورة (الزخرف).

تنبيه: قال المحققون من العلماء: سبب إخفاء الساعة، ووقت قيامها عن العباد؛ ليكونوا دائما على خوف، وحذر منها؛ لأنّهم إذا لم يعلموا متى يكون ذلك الوقت؛ كانوا على وجل، وخوف منها فيكون ذلك أدعى لهم إلى الطاعة، والمسارعة إلى التوبة، وأزجر لهم عن المعصية، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لتقومنّ الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه، ولا يطويانه، ولتقومنّ الساعة، وقد انصرف الرجل بلبن لقحته، فلا يطعمه، ولتقومنّ الساعة، وهو يليط حوضه، فلا يسقي فيه، ولتقومنّ الساعة، وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها». متفق عليه. هذا؛ وقد أخفى الله أمورا أخرى، مثل: ليلة القدر في شهر رمضان، وساعة الإجابة في يوم الجمعة؛ ليجتهد المؤمن، والمؤمنة في ليالي شهر رمضان في العبادة، وليكونا مجتهدين في الدعاء كل يوم الجمعة، وليلته، كما أخفى رضاه في الطاعة، وغضبه في المعصية، ليعمل العبد جميع الطاعات، ويكف عن جميع المعاصي. وانظر الآية رقم [٦١] من سورة (الزخرف) فهو جيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>