للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقوموا قانتين موفين حدود الصّلاة من إتمام الركوع، والسجود، والخضوع، والخشوع؛ لخوف عدوّ، أو سيل، أو خوف سبع؛ فصلّوا مشاة على أرجلكم، أو ركبانا على دوابّكم، مستقبلي القبلة، وغير مستقبليها، ولا تهملوها أصلا.

وصلاة الخوف قسمان، أو نوعان: أحدهما: أن يكون في حال القتال، وهو المراد بهذه الآية. والثاني في غير حال القتال، وهو المذكور في سورة النّساء في قوله تعالى: {وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} رقم [١٠٢].

(رجالا): جمع: راجل. {أَوْ رُكْباناً:} جمع راكب، فإذا التحم القتال، ولم يكن لأحد تركه؛ فمذهب الشّافعي: أنّهم يصلون ركبانا على الدّواب (على السّيارات، والدّبابات، والطّيارات)، ومشاة على الأرجل، والأقدام، إلى القبلة، وإلى غير القبلة، يومئون بالرّكوع، والسّجود، ويكون السجود أخفض من الرّكوع، ويحترزون عن الصّياح، فإنّه لا حاجة إليه، وقال أبو حنيفة: لا يصلّي الماشي، بل يؤخر الصّلاة، ويقضيها؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم أخّر الصّلاة يوم الخندق، فصلّى الظّهر، والعصر، والمغرب بعد ما غربت الشّمس، فيجب علينا الاقتداء به في ذلك. واحتجّ الشّافعيّ-رحمه الله تعالى-بهذه الآية، وأجيب عمّا ذكر يوم الخندق بأنه لم يكن نزل حكم صلاة الخوف، فلمّا نزلت الآية الكريمة لم يؤخر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك صلاة قطّ. هذا؛ ومالك يقول بقول الشّافعي، وأمّا الإمام أحمد-رحمه الله تعالى-فصلاة الخوف عنده تفعل في بعض الأحيان ركعة واحدة إذا تلاحم الجيشان، وعلى ذلك ينزل الحديث؛ الذي رواه مسلم عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلّى الله عليه وسلّم في الحضر أربعا، وفي السّفر ركعتين، وفي الخوف ركعة، وتأوّل الشّافعيّ هذا بأنّ المراد به ركعة مع الإمام، وركعة أخرى يأتي بها منفردا.

ولعلّك تدرك معي أهميّة الصّلاة في الدّين بأنّها لم تسقط في عذر من الأعذار، لا في السّفر، ولا في المرض، وجد الماء، أم لم يوجد، ولا في شدّة الحرب، فيجب أن تصلّى بأية كيفية كانت، وعلى أيّة حالة حصلت، وقد شدّد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في طلبها، واعتبر من تركها عمدا كافرا. وخذ ما يلي:

عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بين الرّجل وبين الكفر ترك الصّلاة». رواه مسلم، وأحمد. وعن بريدة-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «العهد الّذي بيننا وبينهم الصّلاة، فمن تركها؛ فقد كفر». رواه أحمد، وأبو داود، والنّسائيّ، والترمذيّ. وغير ذلك كثير.

{فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ} أي: أقيموا الصّلاة كما أمرتم، فأتمّوا لها ركوعها، وسجودها، وقيامها، وقعودها، وخشوعها. {كَما عَلَّمَكُمْ..}. إلخ؛ أي: مثل ما أنعم الله عليكم، وهداكم

<<  <  ج: ص:  >  >>