للإيمان، وعلّمكم ما ينفعكم في الدّنيا، والآخرة، فقابلوه بالشّكر، والذّكر، كقوله تعالى بعد ذكر صلاة الخوف في الآية رقم [١٠] من سورة (النساء): {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ..}. إلخ.
{كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ:} قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فاشكروا الله على الأمن، واذكروه بالعبادة كما أحسن إليكم بما علّمكم من الشّرائع، وكيف تصلّون في حال الخوف، وفي حال الأمن.
هذا؛ وبين {خِفْتُمْ} وبين: {أَمِنْتُمْ} طباق، وهو من المحسنات البديعية. وقال أبو السّعود-رحمه الله تعالى-: في إيراد هذه الشّرطية بكلمة (إن) المنبئة عن عدم تحقّق وقوع الخوف، وقلّته، وإيراد الثانية بكلمة (إذا) المنبئة عن تحقّق وقوع الأمن، وكثرته مع الإيجاز في جواب الأولى، والإطناب في جواب الثانية من الجزالة، ولطف الاعتبار ما فيه عبرة لأولي الأبصار. انتهى جمل نقلا منه.
هذا؛ وأشرح قوله، وأوضّحه بما يلي:(إن) تفيد الشّكّ في المعنى، وتجزم في اللّفظ، و (إذا) بالعكس تجزم في المعنى، ولا تجزم في اللفظ، ولذا ألغز بعضهم بقوله:[الكامل]
سلّم على شيخ النّحاة وقل له... عندي سؤال من يجبه يعظّم
أنا إن شككت رأيتموني جازما... وإذا جزمت فإنّني لم أجزم
الإعراب:{فَإِنْ:} الفاء: حرف استئناف. (إن) حرف شرط جازم. {خِفْتُمْ:} فعل ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء فاعله، ومفعوله محذوف، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها ابتدائية، ويقال: لأنّها جملة شرط غير ظرفي. {فَرِجالاً:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (رجالا): حال عامله محذوف، التقدير: فصلوا رجالا. وهو جمع: راجل كما رأيت، فهو مشتق، وليس جامدا، والجملة المقدّرة هذه في محل جزم جواب الشّرط، و (إن) ومدخولها كلام مستأنف ومفرّع عمّا قبله، لا محل له.
{فَإِذا:} الفاء: حرف عطف. (إذا): ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {أَمِنْتُمْ:} فعل، وفاعل، ومتعلقه محذوف، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة:(إذا) إليها على المشهور المرجوح. {فَاذْكُرُوا:} الفاء: واقعة في جواب (إذا). (اذكروا): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {اللهَ:} منصوب على التّعظيم، والجملة الفعلية جواب (إذا) لا محلّ لها، و (إذا) ومدخولها كلام معطوف على ما قبله، لا محلّ له مثله.
{كَما:} الكاف: حرف تشبيه وجر. (ما): تحتمل الموصولة، والمصدرية.
{عَلَّمَكُمْ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى {اللهَ} والكاف مفعوله، فعلى اعتبار:(ما) موصولة فالجملة الفعلية صلتها، والعائد محذوف، التقدير: كالّذي علّمكم إيّاه، وعلى اعتبارها