المقدّسات، وتأمين البيئة الصّالحة للأسرة المسلمة، التي تنشد الحياة الكريمة، فلا صلاح للأسرة إلا بصلاح المجتمع، ولا بقاء لها، ولا خلود إلا ببقاء الحقّ، وأنصاره، ولهذا أمر الله تعالى بالقتال، وضرب عليه الأمثال بالأمم السّابقة، وكيف جاهدت في سبيل الحق، وانتصرت القلّة مع إيمانهم على الكثرة، والتزامهم له، وجهادهم في سبيله.
{أَلَمْ تَرَ..}. إلخ: الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، أو لكلّ أحد، والاستفهام تعجّب، وتشويق إلى استماع ما بعده؛ إن كان المخاطب لم يعلم بحال المذكورين، أو هو استفهام، وتقرير؛ إن كان المخاطب يعلم بحالهم. ويجوز أن يخاطب به من لم ير، ولم يسمع؛ لأن هذا الكلام جرى مجرى المثل في معنى التعجّب.
{وَهُمْ أُلُوفٌ:} جمع: ألف، وهو جمع كثرة، ويجمع أيضا على آلاف، وهو جمع قلّة.
واختلف في عددهم، فقيل: هم سبعون ألفا. وقيل غير ذلك. {حَذَرَ الْمَوْتِ:} خوف الموت، وفرارا منه. {فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا} فماتوا. {ثُمَّ أَحْياهُمْ:} أعاد الله إليهم أرواحهم، بعد موتهم.
{إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ:} صاحب كرم، وجود، وإنعام؛ حيث يذكر لهم من القصص ما فيه عبرة لمن يعتبر، ويتذكّر. {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَشْكُرُونَ} فضل الله، وإنعامه.
تنبيه: المراد بما في الآية الكريمة أهل قرية «داوردان» قرية قبل واسط، وقع فيها طاعون، فخرجوا هاربين، فأماتهم الله، ثمّ أحياهم؛ ليعتبروا! ويتيقّنوا: أن لا مفرّ من قضاء الله تعالى، وقدره. أو هم قوم من بني إسرائيل، دعاهم ملكهم إلى الجهاد، ففرّوا خوف الموت، فأماتهم الله ثمانية أيام، ثمّ أحياهم بدعوة نبيهم حزقيل، وهو الخليفة الثالث من خلفاء موسى، على نبينا، وعليه ألف صلاة وألف سلام. ويقال له: ذو الكفل؛ لأنه تكفّل سبعين نبيّا، وأنجاهم من القتل، فقد مرّ فيهم، وهم موتى، فتعجب من حالهم، فأوحى الله إليه أن ناد: قوموا بإذن الله.
فنادى، فقاموا يقولون: سبحانك اللهم، وبحمدك، لا إله إلا أنت. وفائدة القصّة تشجيع المسلمين على الجهاد، والتّعرّض للشّهادة، وحثّهم على التوكّل، والاستسلام للقضاء. انتهى.
بيضاوي بتصرّف. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٧٣] فإنّه جيد. والحمد لله!.
وفي هذه القصّة عبرة، ودليل على أنّه لا يغني حذر من قدر، وأن لا ملجأ من الله إلا إليه، فإنّ هؤلاء خرجوا فرارا من الوباء طلبا لطول الحياة، فعوملوا بنقيض قصدهم، ثمّ أحياهم.
وميتة العقوبة بعدها حياة، وميتة الأجل لا حياة بعدها. وقال مجاهد: إنّهم لما أحيوا؛ رجعوا إلى قومهم، يعرفون: أنّهم كانوا موتى، سحنة الموت على وجوههم، ولا يلبس أحد منهم ثوبا إلا عاد كفنا دسما؛ حتى ماتوا لآجالهم؛ التي كتبت لهم. وفيه ردّ على من يقول: كيف أميت هؤلاء مرّتين في الدّنيا، وقد قال الله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى} الآية رقم [٥٦] من سورة (الدخان)؟ قيل: إن موتهم، وإحياءهم كان معجزة من معجزات ذلك النّبيّ،