تعالى قاسم المعايش والمنافع، ولكن العباد هم الذين يكسونها صفة الحرمة بسوء تناولهم، وهو عدولهم فيه عمّا شرعه الله إلى ما لم يشرعه. انتهى. كشاف.
أقول: رحم الله الزمخشري، فقد أصاب بقوله:«يكسونها صفة...» إلخ. وتجاوز الحد بقوله (وليس له أن يسميها...) إلخ قال أحمد محشي الكشاف: الرزق عند أهل السنة يطلق على ما يقوم الله به حال العبد حلالا، كان، أو حراما، وهذه الآية معضدة، والزمخشري بنى على أصله.
{وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ} أي: فاضلنا بينهم، فمن فاضل، ومفضول، ورئيس، ومرؤوس، وخادم، ومخدوم، وضعيف، وقوي، وغني، وفقير... إلخ. {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا} أي: ليستعمل بعضهم بعضا في حوائجهم، فيحصل بينهم تأليف، وتضام، ينتظم بذلك نظام العالم، لا لكمال في الموسّع عليه، ولا لنقص في المقتّر عليه، ثم إنهم لا اعتراض لهم علينا في ذلك، ولا تصرف، فكيف يكون فيما هو أعلى منه. انتهى. بيضاوي. وفي الخازن:
يعني: لو سوينا بينهم في كل الأحوال، لم يخدم أحد أحدا، ولم يصر أحد منهم مسخرا لغيره، وحينئذ يفضي إلى خراب العالم، وفساد حال الدنيا، ولكن فعلنا ذلك ليستخدم بعضهم بعضا، فسخّر الأغنياء بأموالهم الأجراء الفقراء بالعمل، فيكون بعضهم سببا لمعاش بعض، هذا بماله، وهذا بعمله، فيلتئم قوام العالم. انتهى.
هذا؛ والياء في {سُخْرِيًّا} للنسب؛ أي: نسبته للسخرة؛ التي هي العمل بلا أجرة، كما في كتب اللغة، وبهذا الاعتبار لا يصح التعليل في قوله:{لِيَتَّخِذَ} فإنه ليس القصد من تفاوت الناس في الرزق، أن يقهر الغني الفقير على العمل له. والحاصل: أنّه إذا نظر لصحة التعليل، واستقامته استقام التقييد المذكور، وإن نظر للأمر اللغوي في السخرة لم تستقم النسبة إليها، ولا يصح الكلام معها، ولا التقييد بالأجرة.
وقرئ بكسر السين شاذا، بخلافه في سورة (ص) رقم [٦٣]: {أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا} وسورة (المؤمنون) رقم [١١٠]: {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا} فالقراءة بكسر السين فيهما سبعية. انظر ما ذكرته فيهما هناك. وفي القرطبي: وقيل: هو هنا من السخرية التي هي بمعنى: الاستهزاء؛ أي:
ليستهزئ الغني بالفقير. قال الأخفش: سخرت به، وسخرت منه، وضحكت به، وضحكت منه، وهزئت به، وهزئت منه. انتهى. وعلى هذا القول، تكون اللام للصيرورة والعاقبة، لا للعلة، والسببية. أقول: والمعتمد الأول، وفي سورة (المؤمنون) وسورة (ص) من الاستهزاء.
{وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ} أي: أفضل مما يجمعون من الدنيا، ثم قيل: الرحمة:
النبوة، وقيل: الجنة، والعظيم من أعطيها، وحازها، وهو النبي صلّى الله عليه وسلّم، لا من حاز الكثير مما يجمعون، كعروة بن مسعود، ونحوه. وللصابوني قوله: وإذا كانت النبوة أعظم شأنا من المال،