وطلب القرض في هذه الآية وأمثالها إنّما هو تأنيس، وتقريب للنّاس بما يفهمون، والله هو الغنيّ الحميد، لكنّه تعالى شبّه إعطاء المؤمنين المال، وإنفاقهم في الدّنيا الذي يرجون ثوابه بالقرض، كما شبّه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنّة بالبيع والشراء، كما ذكر الله بقوله:
{إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ..}. إلخ الآية رقم [١١١] من سورة (التوبة)، وكما كنى الله سبحانه وتعالى عن الفقير بنفسه العلية المنزّهة عن الحاجات ترغيبا في الصّدقة، كما كنى عن المريض والجائع والعطشان بنفسه المقدّسة عن النقائص والآلام، ففي صحيح الحديث إخبارا عن الله تعالى:«يا بن آدم مرضت فلم تعدني، استطعمتك فلم تطعمني، استسقيتك فلم تسقني، وقال: يا ربّ كيف أسقيك وأنت ربّ العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنّك لو سقيته لوجدت ذلك عندي». أخرجه البخاريّ، ومسلم، وهذا كلّه خرج مخرج التشريف لمن كنى عنه ترغيبا لمن خوطب به. ويجب على المستقرض ردّ القرض؛ لأنّ الله تعالى بيّن: أنّ من أنفق في سبيل الله لا يضيع عند الله، بل يردّ الثواب قطعا، وأبهم الجزاء، وقد بيّن الله تعالى في الآية رقم [٢٦١] الآتية: أنّ النفقة في سبيل الله تضاعف إلى سبعمائة ضعف وأكثر، وقال هاهنا:{فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً} وهذا لا نهاية له.
وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت ليلة أسري بي على باب الجنّة مكتوبا: الصّدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر، فقلت لجبريل: ما بال القرض أفضل من الصّدقة؟ قال: لأنّ السّائل يسأل، وعنده ما يكفيه، والمستقرض لا يستقرض إلاّ من حاجة». أخرجه ابن ماجة، وفي رواية:«ما بال القرض أفضل من الصّدقة، وهو يعود، والصّدقة لا تعود؟!». ولكن في هذه الأيام القرض ضال إلا ما ردّه الله، وذلك لسوء معاملة الناس.
هذا وقال العلماء في القرض بمعنى الصّدقة: لا يكون القرض حسنا حتى تجتمع فيه أوصاف عشرة، وهي: أن يكون المال من الحلال، وأن يكون من أجلّ المال، وأن تتصدق به وأنت محتاج إليه، وأن تصرف صدقتك إلى الأحوج إليها، وأن تكتم الصدقة ما أمكنك، وأن لا تتبعها بالمنّ، والأذى، وأن تقصد بها وجه الله، ولا ترائي بها النّاس، وأن تستحقر ما تعطي؛ وإن كان كثيرا، وأن يكون من أحبّ أموالك إليك، وأ لا ترى عزّ نفسك، وذلّ الفقير، وخذ ما يلي: