العطارديّ قال: الأف: الكلام القذع، الرديء، الخفي. وقال مجاهد-رحمه الله تعالى-:
معناه: إذا رأيت من الوالدين في حال الشيخوخة الغائط، والبول؛ الذي رأيا منك في الصغر؛ فلا تقذرهما، وتقول: أف. وقال بعضهم: معنى {أُفٍّ} الاحتقار، والاستقلال، أخذ من «الأفف» وهو القليل. وروي من حديث علي-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو علم الله من العقوق شيئا أردأ من {أُفٍّ} لذكره، فليعمل البارّ ما شاء أن يعمل؛ فلن يدخل النّار، وليعمل العاقّ ما شاء أن يعمل؛ فلن يدخل الجنة».
هذا؛ وقرئ {أُفٍّ} بقراآت كثيرة، قال أبو البقاء العكبري-رحمه الله تعالى-: فمن كسر؛ بناه على الأصل، ومن فتح؛ طلب التخفيف، مثل: ربّ، ومن ضم؛ فقد أتبع، ومن نون؛ أراد التنكير، ومن لم ينون؛ أراد التعريف، ومن خفف الفاء؛ حذف أحد المثلين. انتهى. وينبغي أن تعلم: أن هذا اللفظ قد ذكر في سورة (الإسراء) رقم [٢٣]، وفي سورة (الأنبياء) رقم [٦٧] وذكر هنا. هذا؛ وعبارة السيوطي في سورة (الإسراء): و {أُفٍّ} مصدر، وكتب عليه الكرخي هناك:
وهو مصدر أفّ، يؤفّ أفّا، بمعنى تبا، وقبحا، أو صوت يدلّ على تضجر، أو اسم الفعل، الذي هو أتضجر، فجعل فيه احتمالات ثلاثة: مصدر، واسم صوت، واسم فعل. انتهى. جمل.
{أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ} أي: أبعث من القبر بعد موتي، وأحاسب، وأجازى. {وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} أي: الناس الذين كانوا قبلي في القرون الخالية، فلم يرجع منهم أحد. {وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ} أي: يقولان: الغياث بالله منك ومن قولك، وهو استعظام، واستنكار لقوله؛ فلذا يقولان له:{وَيْلَكَ آمِنْ:} هو دعاء عليه بالثبور، والمراد به: الحث، والتحريض على الإيمان، لا حقيقة الهلاك، فإنهما لم يريداه له. {إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} أي: صدق لا خلف فيه. {فَيَقُولُ ما هذا} أي: الذي تدعونني إليه. {إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أي: أحاديثهم، وما سطروه مما لا أصل له. هذا؛ واستغاث يتعدى بنفسه تارة، وبالباء أخرى، وإن كان ابن مالك زعم: أنّه يتعدى بنفسه فقط، وعاب قول النحاة مستغاث به، قلت: لكنه لم يرد في القرآن إلاّ متعديا بنفسه، قال تعالى في سورة (الأنفال) رقم [٩]: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ..}. إلخ، وقال تعالى في سورة (القصص) رقم [١٥]: {فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ..}. إلخ، وقال في سورة (الكهف) رقم [٢٩]: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ..}. إلخ. انتهى. جمل نقلا عن السمين. تأمل غلطه في آية (الكهف) كيف استدلّ بها فغلط، فسبحان من لا يسهو، ولا يغفل.
هذا، وانظر {وَيْلَكَ} في سورة (الزخرف) رقم [٦٥]. أما {الْقُرُونُ} فهو جمع: قرن بفتح القاف وسكون الراء مئة سنة على الصحيح، وقيل: ثمانون، وقيل: ثلاثون. ويقال: القرن في الناس أهل زمان واحد، وهو المراد في الاية الكريمة، ونحوها، وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«خير القرون قرني» ومنه قول الشاعر: [الطويل]