للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم، فأمره الله بالصبر، وترك الاستعجال. {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ} أي: من العذاب في الاخرة. {لَمْ يَلْبَثُوا:} في الدنيا، أو في القبور. {إِلاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ} يعني: أنهم إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا، أو في القبور كأنه قدر ساعة من نهار؛ لأنّ ما مضى، وإن كان طويلا؛ فهو يسير إلى ما يدوم عليهم من العذاب، وهو أبد الابدين بلا انقطاع، ولا فناء.

وانظر ما ذكرته في سورة (الروم) [٥٥] فإنه جيد جدا. {بَلاغٌ} أي: هذا القرآن، وما فيه من البينات، والهدى بلاغ من الله إليكم. والبلاغ بمعنى: التبليغ. {فَهَلْ يُهْلَكُ} أي: لا يهلك بالعذاب. {إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ} أي: الخارجون عن الإيمان بالله وطاعته. قال الزجاج: تأويله لا يهلك مع رحمة الله، وفضله إلاّ القوم الفاسقون، ولهذا قال قوم: ما في الرجاء لرحمة الله آية أقوى من هذه الاية، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

هذا فقد نهى الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم عن استعجال العذاب لقومه، وقد قال تعالى في سورة (المزمل): {وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً} وقال جلّ ذكره في سورة (الطارق): {فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} ومثل الاية قوله جلّ وعلا في سورة (يونس) رقم [٤٥]: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ} وقال في آخر سورة (النازعات): {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها}.

فائدة: قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إذا عسر على المرأة ولدها، تكتب هاتين الايتين والكلمتين في صحيفة، ثم تغسل، وتسقى منها، وهي: «بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلاّ الله العظيم الحليم الكريم، سبحان الله ربّ السموات، وربّ الأرض، وربّ العرش العظيم» {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها} {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ..}. إلخ. انتهى. قرطبي.

الإعراب: {فَاصْبِرْ:} الفاء: حرف استئناف. (اصبر): فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره:

«أنت»، والجملة الفعلية مستأنفة لا محلّ لها. {كَما:} الكاف: حرف تشبيه وجر. (ما):

مصدرية. {فَاصْبِرْ:} ماض. {أُولُوا:} فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وحذفت النون للإضافة، و {أُولُوا} مضاف، و {الْعَزْمِ} مضاف إليه.

{مِنَ الرُّسُلِ:} متعلقان بمحذوف حال من: {أُولُوا الْعَزْمِ،} و (ما) المصدرية، والفعل بعدها في تأويل مصدر في محل جر بالكاف، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة مفعول مطلق، التقدير: اصبر صبرا مثل صبر أولي العزم، وهذا ليس مذهب سيبويه، وإنما مذهبه في مثل هذا التركيب أن يكون منصوبا على الحال من المصدر المضمر المفهوم من الفعل المتقدم. وإنما أحوج سيبويه إلى هذا؛ لأنّ حذف الموصوف، وإقامة الصفة مقامه لا يجوز إلا في مواضع محصورة، وليس هذا منها، وجملة: (اصبر...) إلخ مستأنفة لا محلّ لها، وعند التأمل يتبين لك: أنّ الجملة جواب شرط يقدر ب‍: «إذا»؛ أي: إذا كان عاقبة الكفار ما ذكر؛ فاصبر على أذاهم... إلخ، والكلام كله مستأنف، لا محلّ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>