للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوع الثاني: {وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} أي: لم يحمض بطول المقام، كما تتغير ألبان الدنيا إلى الحموضة، فلا يعود قارصا، ولا حاذرا، ولا ما يكره من الطعوم.

النوع الثالث: {وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ} أي: لم تدنسها الأرجل ولم ترنّقها الأيدي، كخمر الدنيا، فهي لذيذة الطعم، طيبة الشرب، لا يتكرّهها الشاربون. والمعنى: ما فيها إلا التلذذ الخالص، ليس معه ذهاب عقل، ولا خمار، ولا صراع، ولا آفة من آفات الخمر الموجودة في الدنيا. قال تعالى في سورة (الصافات): {لا فِيها غَوْلٌ} رقم [٤٧].

النوع الرابع: {وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} أي: من الشمع، والقذى، خلقه الله كذلك، لم يطبخ على نار ولا دنسه النحل، بل هو خالص صاف من جميع شوائب عسل الدنيا. هذا؛ و (العسل) يذكر، ويؤنث. انظر كتب اللغة.

فعن حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ في الجنّة بحر الماء، وبحر العسل، وبحر اللّبن، وبحر الخمر، ثمّ تشّقّق الأنهار بعد». أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سيحان، وجيحان، والفرات، والنيل، كلّ من أنهار الجنّة». رواه مسلم. قال الشيخ محيي الدين النووي في شرح مسلم: فأما كون هذه الأنهار من ماء الجنة ففيه تأويلان: أحدهما: أن الإيمان عم بلادها، أو الأجسام المتغذية بمائها صائرة إلى الجنة. الثاني-وهو الصحيح-: أنها على ظاهرها، وأن لها مادة من الجنة، فالجنة مخلوقة موجودة اليوم. هذا مذهب أهل السنة. انتهى. خازن بتصرف، وقريب منه في القرطبي، أما الزمخشري فلم يذكر في كشافه شيئا من ذلك؛ لأنه معتزلي.

فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى في الخمر: {لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ} ولم يقل في اللبن: لم يتغير طعمه للطاعمين، ولا قال في العسل: مصفى للناظرين؟ أجاب الرازي بأنّ اللذة تختلف باختلاف الأشخاص، فرب طعام يلتذ به شخص، ويعافه الاخر، فلذلك قال: لذة للشاربين بأسرهم، ولأن الخمر كريهة الطعم في الدنيا، فقال: لذة؛ أي: لا يكون في خمر الاخرة كراهة طعم، وأمّا الطعم، واللون؛ فلا يختلفان باختلاف الناس، فإن الحلو، والحامض، وغيرهما يدركه كل أحد، لكن قد يعافه بعض الناس، ويلتذ به البعض مع اتفاقهم: أن له طعما واحدا، وكذلك اللبن، فلم يكن للتصريح بالتعميم حاجة. انتهى. جمل.

{وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ:} في ذكر الثمرات بعد المشروب إشارة إلى أن مأكول أهل الجنة للذة، لا لحاجة، فلهذا ذكر الثمار بعد المشروب؛ لأنها للتفكه، واللذة. {وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ:}

فإن قلت: المؤمن المتقي لا يدخل الجنة إلا بعد المغفرة، فكيف يكون لهم فيها المغفرة، قلت:

ليس بلازم أن يكون المعنى: ولهم مغفرة فيها؛ لأنّ الواو لا تقتضي الترتيب، فيكون المعنى:

ولهم فيها من كل الثمرات، ولهم مغفرة قبل دخولهم إليها، وجواب آخر وهو أن المعنى: ولهم

<<  <  ج: ص:  >  >>