ذلك. {فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ:} بعض منكم يبخل بما فرض الله عليه إخراجه من الزكاة، أو ندب إلى إنفاقه في وجوه البر؛ أي: ومنكم من يجود، فحذف هذا المقابل؛ لأنّ المراد الاستدلال على البخل. {وَمَنْ يَبْخَلْ:} يعني بالصدقة، وأداء الفريضة؛ فلا يتعداه ضر بخله. {فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} أي: على نفسه؛ أي: يحرمها الأجر والثواب، ومرضاة رب العالمين. {وَاللهُ الْغَنِيُّ} أي: عن صدقاتكم، وطاعاتكم؛ لأنه الغني المطلق؛ الذي له ملك السموات، والأرض.
{وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ} أي: إليه وإلى ما عنده من الخيرات، والثواب في الدنيا، والاخرة. {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا} أي: تعرضوا عن طاعة الله وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وعن القيام بما أمركم به، وألزمكم إياه.
{يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ:} يكونون أطوع لله، ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم منكم. قال الكلبي: هم كندة، والنخع من عرب اليمن. وقال الحسن: هم العجم. وقال عكرمة: هم فارس، والروم، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الاية: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا..}. إلخ، قالوا: ومن يستبدل بنا؟ قال: فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منكب سلمان الفارسي-رضي الله عنه-ثم قال:
«هذا وأصحابه». أخرجه الترمذي، وقال: حديث غريب، وفي إسناده مقال، وله رواية أخرى عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال ناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله! من هؤلاء الذين ذكر الله عزّ وجل إن تولينا؛ استبدلوا منا، ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال: وكان سلمان بجنب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخذ سلمان، فقال:«هذا وأصحابه، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا؛ لتناوله رجال من فارس!». ولهذا الحديث طرق في الصحيح.
هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (المائدة) رقم [٥٤]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ..}. إلخ، انظر شرحها هناك؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك، وفي الجملة: هذا إخبار عن القدرة، وتخويف لهم، لا أن في الوجود من هو خير من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
{ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ} أي: في البخل بالإنفاق في سبيل الله، وحكي عن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-أنه لما نزلت هذه الاية فرح بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال:«هي أحبّ إليّ من الدنيا». والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه. وخذ ما يلي:
عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خلق الله جنة عدن بيده، ودلّى فيها أثمارها، وشق فيها أنهارها، ثم نظر إليها، فقال لها: تكلّمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون، فقال: وعزّتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل». رواه الطبراني في الكبير، والأوسط بإسنادين، أحدهما جيد. وعن الحسن-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله بقوم خيرا؛ ولّى أمرهم الحكماء، وجعل المال عند السّمحاء. وإذا أراد الله بقوم شرّا؛ ولّى أمرهم السفهاء، وجعل المال عند البخلاء». رواه أبو داود في مراسيله.