للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن كيسان: قوة الله، ونصرته فوق قوتهم، ونصرتهم. هذا؛ وقال الخازن: لمّا بين الله تعالى: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم مرسل؛ بيّن أن منزلته، وقدره عند الله بحيث يكون من بايعه صورة؛ فقد بايع الله عزّ وجل حقيقة؛ لأن من بايعه صلّى الله عليه وسلّم على أن لا يفر من موضع القتال إلى أن يقتل، أو يفتح الله لهم، وإن كان يقصد ببيعته رضا الرسول صلّى الله عليه وسلّم ظاهرا، لكن إنما يقصد بها حقيقة رضا الرحمن، وثوابه، وجنته. سميت المعاهدة المذكورة بالمبايعة، التي هي مبادلة المال بالمال تشبيها لها بالمبايعة في اشتمال كل واحدة منهما على معنى المبادلة؛ لأنّ المعاهدة أيضا مشتملة على المبادلة بين التزام الثبات في محاربة الكافرين، وبين ضمانه عليه السّلام لمرضاة الله تعالى عنهم، وإثابته إياهم بجنات النعيم في مقابلة ذلك الثبات، فأطلق اسم المبايعة على هذه المعاهدة على سبيل الاستعارة، ثم إنه لما كان ثواب ثباتهم في الحرب إنما يصل إليهم من قبله تعالى؛ كان المقصود من المبايعة معه عليه السّلام المبايعة مع الله، فإنه عليه السّلام سفير، ولما جعلت المبايعة مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم مبايعة مع الله، وشبه الله بالمبايع؛ أثبت له ما هو من لوازم المبايع حقيقة، وهو اليد على طريق الاستعارة التخييلية، يعني: أن في اسم الله استعارة بالكناية، واليد تخييل مع أن فيها أيضا مشاكلة لذكرها مع أيدي الناس. فتلخص: أنّ في هذا التركيب استعارة تصريحية تبعية في الفعل، ومكنية في الاسم الكريم، وتخييلية في إثبات اليد له، وفيه مشاكلة في مقابلة يده بأيديهم. انتهى. جمل نقلا من هنا، وهناك.

وقال السدي: كانوا يأخذون بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويبايعونه، ويد الله فوق أيديهم في المبايعة، وذلك؛ لأن المتبايعين إذا مدّ أحدهما يده إلى الاخر في البيع، وبينهما ثالث يضع يده على يديهما، ويحفظهما إلى أن يتم العقد، ولا يترك أحدهما يد الاخر، حتى يلزم، ولا يتفاسخان، فصار وضع اليد فوق الأيدي سببا لحفظ البيعة، فقال: يد الله فوق أيديهم؛ أي:

يحفظهم على البيعة، كما يحفظ المتوسط أيدي المتبايعين، وانظر ما ذكرته في سورة (ص) [٧٥] وفي سورة (الذاريات) [٤٧].

{فَمَنْ نَكَثَ:} نقض العهد بعد البيعة. {فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ} أي: يرجع ضرر نكثه عليه؛ لأنه حرم نفسه الثواب، وألزمها العقاب. قال أبو بكر الصديق-رضي الله عنه-: ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه، وقرأ هذه الاية وقوله تعالى في سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ} رقم [٢٣]، وقوله تعالى في سورة (فاطر): {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ} رقم [٤٣]، وانظر ما ذكرته في سورة (الزخرف) رقم [٥٠].

{وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ:} يقرأ بضم هاء الجلالة وجرها في هذه الاية، والمراد في هذه الاية معاهدة بيعة الحديبية للنبي صلّى الله عليه وسلّم. هذا؛ وعهد بني آدم لله قديم أزلي، وحديث يتجدد في كل وقت وحين، فالقديم يتجلّى في قوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٧٢]: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ}

<<  <  ج: ص:  >  >>