للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا هو الشاهد رقم [٩٦٦] من كتابنا: «فتح القريب المجيب».

هذا؛ والنّوم قسمان: نوم العين، ونوم القلب، فنوم العين: فترة طبيعية، تعتري الإنسان، وتتعطّل حواسّه بها، وأمّا نوم القلب؛ فهو تعطيل القوى المدركة، والثّاني لم يقع منه صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنّ قلبه لا ينام، كما في حديث الصّحيحين عنه صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «إنّ عينيّ تنامان، ولا ينام قلبي» ورحم الله البوصيري؛ إذ يقول: [البسيط]

لا تنكر الوحي من رؤياه إنّ له... قلبا إذا نامت العينان لم ينم

وهذا، والمنام مصدر بمعنى النّوم، أو اسم مكان بمعنى موضعه، أو اسم زمان بمعنى زمانه؛ لأنّ مفعلا يصلح لهذا كلّه. هذا وقدمت السّنة بالذّكر؛ لأنّها سابقة في الوجود على النّوم، قال القرطبيّ-رحمه الله تعالى-: والنّاس يذكرون في هذا الباب عن أبي هريرة-رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحكي عن موسى على المنبر، قال: وقع في نفس موسى: هل ينام الله جلّ ثناؤه، فأرسل الله إليه ملكا. فأرّقه ثلاثا، ثمّ أعطاه قارورتين في كلّ يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما، قال: فجعل ينام، وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ، فينحّي إحداهما عن الأخرى حتى نام نومة، فاصطفقت يداه، فانكسرت القارورتان، قال: ضرب الله له مثلا: أن لو كان ينام؛ لم تمتسك السّماء والأرض، ولا يصحّ هذا الحديث، ضعفه غير واحد، منهم البيهقيّ. انتهى. قرطبي.

وفي مختصر ابن كثير عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: أنّ بني إسرائيل، قالوا: يا موسى! هل ينام ربك؟ قال: اتقوا الله! فناداه ربّه عز وجل: يا موسى! سألوك هل ينام ربّك؟ خذ زجاجتين في يديك، فقم الليلة، ففعل موسى، فلمّا ذهب من الليل ثلث نعس، فوقع لركبتيه، ثم انتعش، فضبطهما حتّى إذا كان آخر الليل؛ نعس، فسقطت الزّجاجتان، فانكسرتا، فقال:

يا موسى لو كنت أنام؛ لسقطت السّماوات والأرض، فهلكت، كما هلكت الزّجاجتان في يديك، فأنزل الله عز وجل على نبيه صلّى الله عليه وسلّم آية الكرسي، رواه ابن أبي حاتم.

أقول: خذ قوله تعالى في سورة (فاطر) رقم [٤١]: {إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً} انظر شرحها هناك؛ فإنّه جيد، والحمد لله!.

{لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ:} {لَهُ:} أي: بالملك التام، الجميع خلقا، وعبيدا في قهره، وتحت سلطانه، وقد ذكر ما فيهما دونهما للردّ على المشركين العابدين لبعض الكواكب، الّتي في السّماء، والأصنام الّتي في الأرض، يعني: فلا تصلح أن تعبد؛ لأنها مملوكة لله، مخلوقة له، والتعبير ب‍ {ما} التي لغير العاقل، للتغليب وفيه ردّ على المشركين الذين قالوا عن الأصنام {ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى}.

{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ:} الاستفهام معناه النفي، وفيه ردّ لزعم المشركين: أنّ الأصنام تشفع لهم، وهو كقوله تعالى في سورة (النّجم): {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي}

<<  <  ج: ص:  >  >>