للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في قوله: {فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ؟} قلت: قوله: {فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ} متعلق بقوله: {إِذْ يُبايِعُونَكَ} فيكون تقديره: لقد رضي الله عن المؤمنين؛ إذ يبايعونك فعلم ما في قلوبهم من الصدق إشارة إلى أنّ الرضا لم يكن عند المبايعة فحسب، بل عند المبايعة التي عندها علم الله بصدقهم، والفاء في قوله: {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ} للتعقيب؛ لأنه تعالى لما علم ما في قلوبهم؛ رضي عنهم، فأنزل السكينة عليهم.

هذا؛ وكان سبب هذه البيعة على ما ذكر محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا خراش بن أمية الخزاعي حين نزل الحديبية، فبعثه إلى قريش بمكة، وحمله على جمله صلّى الله عليه وسلّم ليبلغ أشرافهم: أنّه صلّى الله عليه وسلّم جاء معتمرا، ولم يجيء محاربا، فعقروا جمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأرادوا قتله، فمنعتهم الأحابيش، فخلّوا سبيله، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-؛ ليبعثه إلى مكة، فقال: يا رسول الله! إني أخاف على نفسي قريشا، وليس في مكة من بني عدي بن كعب أحد. وقد عرفت قريش عداوتي إياها، وغلظتي عليها، ولكن أدلك على رجل هو أعز بها منّي لوجود عشيرته فيها، وهو عثمان بن عفان، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عثمان-رضي الله عنه-فبعثه إلى أبي سفيان، وأشراف قريش يخبرهم: أنّه لم يأت لحرب، وإنما جاء زائرا لهذا البيت، معظما لحرمته، وكتب له كتابا بعثه معه، وأمره أن يبشر المستضعفين بمكة بالفتح قريبا، وأن الله سيظهر دينه.

فتوجه عثمان-رضي الله عنه-فوجد قريشا قد اتفقوا على منعه صلّى الله عليه وسلّم من دخول مكة، ولقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة، أو قبل أن يدخلها، فنزل عن فرسه، وحمله بين يديه، وأجاره؛ حتى بلّغ رسالة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقرأ عليهم الكتاب واحدا واحدا. فصمّموا على أنه لا يدخلها هذا العام، وقالوا لعثمان-رضي الله عنه-: إن شئت أن تطوف بالبيت؛ فطف به، قال:

ما كنت لأفعل؛ حتى يطوف به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد كان المسلمون قالوا: هنيئا لعثمان خلص إلى البيت وطاف به دوننا، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إن ظني به أن لا يطوف حتى نطوف معا». وبشر عثمان -رضي الله عنه-المستضعفين بالفتح القريب، واحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين أن عثمان قد قتل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا نبرح حتى نناجز القوم». ودعا الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة.

ووضع النبي صلّى الله عليه وسلّم شماله في يمينه، وقال: «هذه عن عثمان» وهذا قد يشعر بأنه صلّى الله عليه وسلّم علم بنور النبوة: أن عثمان-رضي الله عنه-لم يقتل حتى بايع عنه، فيكون هذا من معجزاته صلّى الله عليه وسلّم ويؤيده ما جاء: أنه لما بايع الناس؛ قال: «اللهم إن عثمان في حاجتك، وحاجة رسولك». وضرب بإحدى يديه على الأخرى، فكانت يده لعثمان خيرا من أيديهم لأنفسهم، ولما سمع المشركون بهذه البيعة خافوا، وبعثوا بعثمان ومن معه، وكانوا عشرة. انتهى. جمل. نقلا من الخازن، والمواهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>