للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ والذين حضروا بيعة الرضوان كانوا ألفا وأربعمئة رجل، بايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الموت وعلى أن لا يفروا، كلهم بايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما عدا جدّ بن قيس أخا بني سلمة، قال جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-: فكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته، يستتر بها من الناس.

ثم جرت السفراء بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين قريش، وطال التراجع، والتنازع إلى أن جاءه سهيل بن عمرو العامري، فوقع الصلح، والمهادنة على أن يرجع الرسول صلّى الله عليه وسلّم عامه ذلك، فإذا كان من قابل أتى معتمرا، ودخل مكة هو، وأصحابه بغير سلاح، حاشا السيوف في قربها، فيقيم بها ثلاثا، ويخرج. وعلى أن يكون بينه وبينهم صلح عشرة أعوام، يتداخل فيها الناس، ويأمن بعضهم بعضا، وعلى أن من جاء من الكفار إلى المسلمين مسلما من رجل، أو امرأة؛ ردّ إلى الكفار، ومن جاء من المسلمين إلى الكفار مرتدا؛ لم يردوه إلى المسلمين، فعظم ذلك على المسلمين حتى كان لبعضهم فيه كلام، وخذ ما يلي:

جاء عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقال: يا رسول الله! ألسنا على حق؛ وهم على باطل؟ قال: «بلى!» قال: أليس قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار؟ قال:

«بلى». قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا، ونرجع؛ ولما يحكم الله بيننا، وبينهم؟! فقال: يا بن الخطاب إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبدا. قال: فانطلق عمر، ولم يصبر متغيظا، فأتى أبا بكر-رضي الله عنه-، فقال: يا أبا بكر! ألسنا على حق؛ وهم على باطل، قال: بلى! قال:

أليس قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار؟ قال: بلى! قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا، ولمّا يحكم الله بيننا، وبينهم؟! فقال: يا بن الخطاب! إنه رسول الله، ولن يضيعه الله أبدا! وفي رواية قال له: الزم غرزه. فنزل القرآن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالفتح، فأرسل إلى عمر، فأقرأه إيّاه. فقال:

يا رسول الله! أو فتح هو؟ قال: «نعم». فطابت نفسه، فرجع.

بقي أن تعلم نتيجة الشجرة التي جرت تحتها البيعة، فهناك روايات تقول: إن الله أخفى مكانها، حتى إن بعض الصحابة أتوا الحديبية في العام القابل، فلم يهتدوا إليها. من ذلك ما روي: أن عمر-رضي الله عنه-مرّ بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة، فقال: أين كانت؟ فجعل بعضهم يقول: هاهنا، وبعضهم يقول: هاهنا، فلما كثر اختلافهم؛ قال: سيروا ذهبت الشجرة. والمشهور: أن عمر-رضي الله عنه-هو الذي قطعها، وأزال معالمها، وقال: خشيت أن تعبد في الأرض، كما عبدت اللات، والعزّى.

الإعراب: {لَقَدْ:} اللام: واقعة في جواب قسم محذوف، التقدير: والله. (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {رَضِيَ اللهُ:} ماض، وفاعله، والجملة الفعلية جواب القسم لا محلّ لها. {عَنِ الْمُؤْمِنِينَ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {إِذْ:} ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بالفعل: {رَضِيَ}. {يُبايِعُونَكَ:} مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله، والكاف مفعوله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة: {إِذْ} إليها. {تَحْتَ:}

<<  <  ج: ص:  >  >>