للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم عن الحرم يسمى: إحصارا، وذكرت في آية البقرة رقم [١٩٦] أن الإحصار من إتمام الحج، أو العمرة يكون بسبب عدو، أو مرض، ونحو ذلك، والمحصر يتحلل في مكانه بذبح شاة في مكان الإحصار عند الشافعي، وعند أبي حنيفة: محل الهدي الحرم، انظر آية (البقرة).

هذا؛ وإن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر المسلمين بالتحلل حينما منع من دخول مكة، وتمّ عقد الهدنة، والمصالحة بينه وبين قريش، ومن تلك الشروط أن يرجع عامه ذلك بدون عمرة، فعظم ذلك على المسلمين، وثقل عليهم، وتوقفوا عن التحلل، حتى غضب النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقالت له زوجه أم سلمة -رضي الله عنها-: لو نحرت؛ لنحروا، ولو حلقت؛ لحلقوا، فنحر صلّى الله عليه وسلّم بدنه، وحلق رأسه.

قيل: إن الذي حلق له رأسه يومئذ خراش بن أمية بن أبي العيص الخزاعي، عندئذ تحلّل المسلمون بنحر هديهم، وحلق رؤوسهم، ودعا صلّى الله عليه وسلّم للمحلقين ثلاثا، وللمقصرين مرة واحدة.

{وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ} يعني: المستضعفين من المسلمين المقيمين في مكة، الذين لم يتمكنوا من العمرة، كسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، وأبي جندل، وأشباههم.

{لَمْ تَعْلَمُوهُمْ:} لم تعرفوهم. {أَنْ تَطَؤُهُمْ} أي: بالقتل، والإيقاع بهم. يقال: وطئت القوم، أي: أوقعت بهم. {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ:} المعرة: العيب. أي: يقول المشركون:

قد قتلوا أهل دينهم. وقيل: المعنى يصيبكم من قتلهم ما يلزمكم من أجله كفارة قتل الخطأ؛ لأن الله تعالى إنما أوجب على قاتل المؤمن في دار الحرب؛ إذا لم يكن هاجر منها، ولم يعلم بإيمانه الكفارة دون الدية في قوله: {فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} الاية رقم [٩٢] من سورة (النساء). والمعرة: الإثم والشدة.

وقوله تعالى: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} تفضيل للصحابة، وإخبار عن صفتهم الكريمة من العفة عن المعصية، والعصمة عن التعدي، حتى لو أنهم أصابوا من ذلك أحدا لكان من غير قصد، وهذا كما وصفت النملة جند سليمان-على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-في قولها: {لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} وهذا يسمى: احتراسا. {لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ:} قيل: المعنى: لم يأذن الله لكم في قتال المشركين؛ ليسلم بعد الصلح من قدر الله له أن يسلم من أهل مكة، وقد حصل ذلك حيث أسلم الكثير منهم وحسن إسلامهم، ودخلوا في رحمته؛ أي: جنته، كأمثال خالد-رضي الله عنه-.

{لَوْ تَزَيَّلُوا} أي: تميز المؤمنون المستضعفون في مكة عن المشركين، وابتعدوا عنهم.

{لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً:} بالقتل، والسبي بأيديكم، قال قتادة في الاية: إن الله تعالى يدفع بالمؤمنين عن الكفار، كما دفع بالمستضعفين من المؤمنين عن مشركي مكة، وقال علي-رضي الله عنه-: سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الاية: {لَوْ تَزَيَّلُوا..}. إلخ، فقال: «هم المشركون من أجداد نبي الله، ومن كان بعدهم، وفي عصرهم كان في أصلابهم قوم مؤمنون،

<<  <  ج: ص:  >  >>