{تَخافُونَ:} عدوكم. {فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا} أي: علم ما في التأخير الدخول من الخير والصلاح الذي لم تعلموه أنتم، وذلك أنه صلّى الله عليه وسلّم لما رجع مضى منها إلى خيبر، فافتتحها، ورجع بأموال خيبر، وأخذ من العدة والقوة أضعاف ما كان فيه في ذلك العام، وأقبل على مكة بأهبة، وقوة، وعدة بأضعاف ذلك. {فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ} أي: دخول الحرم الذي رآه النبي صلّى الله عليه وسلّم في المنام.
{فَتْحاً قَرِيباً:} هو صلح الحديبية قاله أكثر المفسرين. وقيل: هو فتح مكة. وقيل: هو فتح خيبر، والمعتمد الأول.
هذا؛ ولما كان في ذي القعدة من سنة سبع خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى مكة معتمرا عمرة القضاء هو، وأهل الحديبية الذين كانوا معه حين صدّوا، فأحرم من ذي الحليفة، وساق معه الهدي، وكان ستين بدنة، فلبّى، وصار الناس يلبّون، فلما كان صلّى الله عليه وسلّم قريبا من مرّ الظهران بعث محمد بن مسلمة-رضي الله عنه-بالخيل، والسلاح أمامه، فلما رآه المشركون رعبوا رعبا شديدا، وظنّوا:
أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغزوهم، وأنه قد نكث العهد؛ الذي بينه، وبينهم من وضع القتال عشر سنين، فذهبوا، فأخبروا أهل مكة، فبعثت قريش مكرز بن حفص، فقال: يا محمد! ما عرفناك تنقض العهد! فقال: وما ذاك؟ قال: دخلت علينا بالسلاح، والقسيّ، والرماح، فقال: لم يكن ذلك، وقد بعثنا به إلى يأجج، فقال: بهذا عرفناك بالبر، والوفاء.
ولما دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة، خرجت رؤوس قريش من مكة؛ لئلا ينظروا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإلى أصحابه-رضي الله عنهم-غيظا، وحنقا، وأما بقية أهل مكة من الرجال، والنساء، والولدان، فجلسوا في الطرق، وعلى البيوت ينظرون إليهم، فدخلها صلّى الله عليه وسلّم وبين يديه أصحابه يلبون، والهدي قد بعثه إلى ذي طوى، وهو راكب ناقته القصواء، التي كان ركبها في الحديبية، وعبد الله بن رواحة-رضي الله عنه-آخذ بزمامها، يقودها، وهو يقول:[الرجز] خلّوا بني الكفار عن سبيله... إنّي شهيد أنّه رسوله
خلّوا فكلّ الخير في رسوله... يا ربّ إني مؤمن بقيله
نحن قتلناكم على تأويله... كما قتلناكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله... ويذهل الخليل عن خليله
روى الإمام أحمد-رحمه الله تعالى-عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمّى يثرب، ولقوا منها سوآ، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب، ولقوا منها شرا، وجلس المشركون من الناحية التي تلي الحجر، فأطلع الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم على ما قالوا، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة؛ ليرى المشركون جلدهم، قال: فرملوا ثلاثة أشواط، وأمرهم أن يمشوا بين الركنين