مواضع السجود في وجوههم كالقمر ليلة البدر. وقيل: يبعثون غرا محجلين يوم القيامة يعرفون بذلك.
والقول الثاني: أنّ ذلك في الدنيا، وذلك: أنهم استنارت وجوههم بالنهار من كثرة الصلاة بالليل. وقيل: هو السمت الحسن، والخشوع، والتواضع. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-:
ليس بالذي ترون، ولكنه سيما الإسلام، وسجيته، وسمته، وخشوعه. والمعنى: أنّ السجود أورثهم الخشوع، والسمت الحسن يعرفون به. وقيل: هو صفرة الوجه من سهر الليل، ويعرف ذلك في رجلين: أحدهما سهر الليل في الصلاة، والعبادة، والاخر في اللهو، واللعب، فإذا أصبحا ظهر الفرق بينهما، فيظهر في وجه المصلي نور وضياء، وعلى وجه الذي سهر في اللهو، واللعب ظلمة. قال عطاء الخراساني: دخل في هذه الاية من حافظ على الصلوات الخمس.
وقال بعضهم: إنّ للحسنة نورا في القلب، وضياء في الوجه، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق. وللسيئة ظلمة في القلب، وسواد في الوجه، وضيق في الرزق، وكراهية في قلوب الخلق. وقال عثمان-رضي الله عنه-: ما أسر أحد سريرة إلاّ أبداها الله تعالى على صفحات وجهه، وفلتات لسانه. وقال عمر-رضي الله عنه-: من أصلح سريرته؛ أصلح الله علانيته. وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«ما أسرّ أحد سريرة إلاّ ألبسه الله تعالى رداءها، إن خيرا؛ فخير، وإن شرّا؛ فشرّ».
أخرجه الطبراني عن جندب بن سفيان البجلي-رضي الله عنه-.
فالصحابة الكرام-رضي الله عنهم-خلصت نياتهم، وحسنت أعمالهم، فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم، وهديهم. قال الإمام مالك-رضي الله عنه-: بلغني: أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام يقولون: والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا! وصدقوا في ذلك، فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة، وأعظمها، وأفضلها أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولذا قال تعالى هنا:{ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ} ثم قال: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ}.
هذا؛ وجاء في التوراة في صفة أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم: دويهم في مساجدهم كدوي النحل. وفي رواية: أصواتهم بالليل في جو السماء كأصوات النحل، رهبان بالليل ليوث بالنهار، وإذا همّ أحدهم بحسنة فلم يعملها؛ كتبت له حسنة واحدة، فإن عملها؛ كتبت له عشرا، وإذا همّ بسيئة، فلم يعملها، كتبت له حسنة، وإن عملها؛ كتبت عليه سيئة واحدة، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالكتاب الأول (أي: بجنس الكتب السابقة) والكتاب الاخر. وهو القرآن.
هذا؛ وروى الإمام أحمد، وغيره بإسناد صحيح: أن الله تعالى قال لعيسى عليه السّلام: «يا عيسى! إني باعث بعدك أمة، إن أصابهم ما يحبون؛ حمدوا، وشكروا، وإن أصابهم ما يكرهون؛ صبروا، واحتسبوا، ولا حلم، ولا علم. قال: كيف يكون لهم هذا، ولا حلم، ولا علم؟! قال: أعطيهم من حلمي، وعلمي». انتهى. زيني دحلان ج ١ ص ١٤٧. هذا؛ وفي