للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا، والدّين أيضا: الملّة، والشريعة، ومنه قوله تعالى في سورة (يوسف) رقم [٧٦]: {ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ،} ويوم الدين: يوم الجزاء والحساب، ومنه: كما تدين تدان، أي: كما تفعل تجازى. هذا؛ والدّين بفتح الدال القرض المؤجّل، وجمع الأول:

أديان: وجمع الثاني: ديون وأدين. هذا؛ والدّينونة: القضاء، والحساب. والدّيانة: اسم لجميع ما يتعبد به الله تعالى. {قَدْ تَبَيَّنَ:} يقال: تبين الشيء وبان، وأبان، واستبان كلّه بمعنى واحد، وهو لازم. وقد يستعمل بعضها متعدّيا، {الرُّشْدُ:} الاهتداء، والاستقامة على طريق الحقّ، وضدّه: الغيّ، والضّلال، يقال: رشد، يرشد، رشدا، ورشد، يرشد، رشدا، فالأول من الباب الأول، والثاني من الباب الرّابع.

{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ:} هو الأصنام، أو الشيطان، أو الكاهن، وكلّ رأس في الضلالة وداع إليه، وهو يطلق على المفرد، والجمع، والمذكر، والمؤنث، واشتقاقه من: طغى، يطغى، أو من: طغا يطغو: إذا تجاوز الحدّ، ومنه قوله تعالى في سورة (الحاقة): {إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ} ويجمع على: طواغيت، ولم يرد في القرآن الكريم بلفظ الجمع، والكفر بالطاغوت:

عدم الرضا به، وعدم الانقياد له. {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى} أي: فقد تمسّك بالدّين بأقوى سبب، والعروة في الأصل موضع شدّ اليد، وأصل المادة تدل على التعلّق، ومنه: عروته إذا ألمحت به متعلقا به، واعتراه الهمّ تعلّق به. {الْوُثْقى:} تأنيث الأوثق، وهي للتفضيل، كفضلى تأنيث الأفضل، وجمع الوثقى: الوثق، مثل: الفضلى، والفضل، وفي الآية تشبيه، والمشبه به:

الإيمان، وقيل: استعارة تمثيلية؛ حيث شبه المستمسك بدين الإسلام بالمستمسك بالحبل المحكم، وعدم الانفصام ترشيح.

{لا انْفِصامَ:} لا انقطاع لها، والانفصام في اللغة: الانكسار من غير بينونة، والفصم: كسر مع بينونة، وفي صحيح الحديث عن عائشة-رضي الله عنها-: «فيفصم عنه-صلّى الله عليه وسلّم-الوحي؛ وإنّ جبينه ليتفصّد عرقا». وخذ قوله تعالى في سورة (لقمان): {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى}. هذا؛ ولما كان الكفر بالطّاغوت، والإيمان بالله ما ينطق به اللسان، ويعتقده القلب؛ حسن قوله تعالى: {سَمِيعٌ} من أجل النّطق، {عَلِيمٌ:} من أجل المعتقد.

تنبيه: خذ سبب الآية الكريمة فيما يروى عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: كانت المرأة من الأنصار قبل الإسلام لا يعيش لها ولد، فكانت تنذر: لئن عاش لها ولد؛ لتهوّدنّه، فإذا عاش جعلته في اليهود، فجاء الإسلام، وفيهم منهم، فلمّا أجليت بنو النضير، كان فيهم عدد من أولاد الأنصار، فأرادوا استردادهم، وقالوا: هم أبناؤنا، وإخواننا، فنزلت الآية الكريمة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد خيّر أصحابكم فإن اختاروكم؛ فهم منكم، وإن اختاروهم؛ فأجلوهم معهم».

وقيل: كان لرجل من الأنصار، يقال له: أبو الحصين ابنان متنصّران قبل الإسلام، ثم قدما المدينة المنوّرة في نفر من النّصارى يحملون الزيت. فلزمهما أبوهما، وقال: لا أدعكما حتّى

<<  <  ج: ص:  >  >>