تسلما، فاختصموا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال الأب: يا رسول الله! أيدخل بعضي النار؛ وأنا أنظر إليه؟! فنزلت الآية الكريمة، فخلّى سبيلهما، وقيل: نزلت في أهل الكتاب؛ إذا قبلوا بذل الجزية، لم يكرهوا على الإسلام. انتهى. خازن.
هذا واختلف في هذه الآية، فقيل: إنّها منسوخة؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم أكره العرب على الإسلام، وقاتلهم، ولم يرض منهم إلا الإسلام، فنسختها الآية في سورة التّوبة، وفي سورة التّحريم، وهي قوله تعالى:{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ} وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل النّاس؛ حتّى يقولوا: لا إله إلاّ الله، فإذا قالوها؛ عصموا منّي دماءهم وأموالهم...».
وقيل: إنّها ليست بمنسوخة، وإنّما نزلت في أهل الكتاب خاصّة، وأنّهم لا يكرهون على الإسلام إذا أدّوا الجزية، والذين يكرهون: أهل الأوثان، فلا يقبل منهم إلا الإسلام، فهم الّذين نزل فيهم:{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ} والحجّة لهذا القول ما رواه زيد بن أسلم عن أبيه، قال:
سمعت عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-يقول لعجوز نصرانيّة: أسلمي أيتها العجوز؛ تسلمي، إنّ الله بعث محمدا بالحقّ، قالت: أنا عجوز، والموت إليّ قريب، فقال عمر: اللهم اشهد، وتلا {لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ..}. إلخ، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{لا:} نافية للجنس تعمل عمل «إنّ». {إِكْراهَ:} اسمها مبني على الفتح في محل نصب. {فِي الدِّينِ:} متعلقان بمحذوف خبر {لا،} والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها.
{قَدْ:} حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {تَبَيَّنَ:} فعل ماض. {الرُّشْدُ:} فاعله. {مِنَ الْغَيِّ:} متعلقان بالفعل: {تَبَيَّنَ،} وهما في محل نصب مفعول به، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {الرُّشْدُ} والجملة الفعلية مفيدة للتعليل، لا محل لها، {فَمَنْ:} الفاء: حرف استئناف، (من): اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يَكْفُرْ:} فعل مضارع فعل الشرط، والفاعل يعود إلى (من). {بِالطّاغُوتِ:} متعلقان به. {وَيُؤْمِنْ:} معطوف على ما قبله مجزوم مثله والفاعل يعود إلى (من) أيضا. {بِاللهِ:} متعلقان به، {فَقَدِ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (قد): حرف تحقيق مثل سابقه. {اِسْتَمْسَكَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (من) أيضا، والجملة الفعلية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحلّ محل المفرد. {بِالْعُرْوَةِ:} متعلقان بما قبلهما. {الْوُثْقى:} صفة (العروة) مجرورة مثله، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذّر، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه، فقيل: هو جملة الشرط، وقيل: هو جملة الجواب، وقيل: هو الجملتان، وهو المرجّح لدى المعاصرين، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {لا انْفِصامَ لَها:} إعراب هذه الجملة مثل إعراب {لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ،} وهي في محل جر صفة ثانية ل (عروة)، أو في محل نصب حال منها بعد وصفها بما تقدّم، والرابط على الاعتبارين الضمير، والجملة الاسمية:{وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ:}
معترضة في آخر الكلام، أو هي مستأنفة لا محل لها على الاعتبارين.