للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما السائل؛ فهو الذي يسأل الناس لفاقته. والمحروم هو الذي حرم المال لسبب من الأسباب، وأظهر الأقوال فيه: أنه المتعفف؛ لأنه قرن بالسائل، والمتعفف لا يسأل، ولا يكاد الناس يعطون من لا يسأل، وإنما يفطن له متيقظ، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس المسكين الذي تردّه اللّقمة، واللّقمتان، والتمرة، والتمرتان، ولكن المسكين الّذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له، فيتصدّق عليه، ولا يقوم فيسأل النّاس». أخرجه البخاري ومسلم. وأصله في اللغة: الممنوع، من: الحرمان، وهو المنع، قال علقمة: [البسيط] ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه... أنّى توجّه والمحروم محروم

وعن أنس-رضي الله عنه-: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة، يقولون: ربنا ظلمونا حقوقنا التي وضعت لنا عليهم. فيقول الله تعالى: وعزّتي وجلالي لأقربنكم، ولأبعدنّهم!» ثم تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم {وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}. رواه الطبراني، والثعلبي.

هذا؛ وقد حثّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم على إعطاء السائل، وبذل المال له مهما كان قليلا، ومهما كانت هيئة السائل، وحالته، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لا تردّوا السائل ولو بظلف محرق». وقال: «أعطوا السّائل ولو جاء على ظهر فرس». وفي الوقت نفسه حذّر الرسول صلّى الله عليه وسلّم من السؤال، والمسألة، وشدّد النكير على الذين يتسوّلون. وخذ ما يلي: فعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تزال المسألة بأحدكم حتّى يأتي الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم».

أخرجه البخاري، ومسلم. وعنه أيضا قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «المسألة كلوح في وجه صاحبها يوم القيامة، فمن شاء استبقى على وجهه». رواه الإمام أحمد.

فالرسول صلّى الله عليه وسلّم يريد من المسلم أن يكون عزيز النفس، مرفوع الرأس، لذا نفر من السؤال، والمسألة، ورغب في العمل، فعن الزبير بن العوام-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«لأن يأخذ أحدكم أحبله، فيأتي بحزمة من حطب على ظهره، فيبيعها، فيكفّ بها وجهه خير له من أن يسأل الناس، أعطوه، أم منعوه» وغير ذلك كثير. وخذ ما يلي عن الأصمعي-رحمه الله تعالى-، قال: مررت في بعض سكك الكوفة، فإذا برجل قد خرج من حش على كتفه جرة، وهو يقول: [الطويل] وأكرم نفسي إنني إن أهنتها... وحقّك لم تكرم على أحد بعدي

فقلت له: أتكرمها بمثل هذا؟ قال: نعم، وأستغني عن سفلة مثلك؛ إذا سألته، ثم قال:

صنع الله بك، وترك! فقلت: تراه عرفني، فأسرعت، فصاح بي وأنشد: [الوافر] لنقل الصخر من قلل الجبال... أحبّ إليّ من منن الرّجال

يقول الناس: كسب فيه عار... وكلّ العار في ذلّ السّؤال

<<  <  ج: ص:  >  >>