أما الصلاة في الليل بالإضافة لما ذكرته في سورة (الإسراء)[٧٩] وفي سورة (الفرقان) رقم [٦٤] فخذ ما يلي: عن عبد الله بن سلام-رضي الله عنه-قال: أول ما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة انجفل الناس إليه، فكنت فيمن جاءه، فلما تأمّلت وجهه، واستبنته عرفت: أنّ وجهه ليس بوجه كذّاب، قال: فكان أول ما سمعت من كلامه أن قال: «أيّها النّاس! أفشوا السّلام، وأطعموا الطّعام، وصلوا الأرحام، وصلّوا باللّيل؛ والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام». رواه الترمذي، وابن ماجه، والحاكم.
وعن سلمان الفارسي-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسّيّئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للدّاء عن الجسد». رواه الطبراني في الكبير.
وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رحم الله رجلا قام من الليل فصلّى، وأيقظ امرأته، فإن أبت؛ نضح في وجهها الماء». رواه أبو داود، والنسائي، وغيرهما. وقد ذكر أن أبا ذر-رضي الله عنه-وقف يوما عند الكعبة في حجة حجها، أو عمرة اعتمرها، فاكتنفه الناس، فقال لهم: لو أنّ أحدكم أراد سفرا أليس يعد زادا؟ فقالوا: بلى! فقال: سفر القيامة أبعد مما تريدون، فخذوا ما يصلحكم، فقالوا: وما يصلحنا؟ قال: حجوا حجة لعظائم الأمور، وصوموا يوما شديدا حرّه ليوم النشور، وصلوا في الليل لوحشة القبور. وروي أنّ الإمام الجنيد-رحمه الله تعالى-رؤي في المنام بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: طاحت تلك الإشارات، وذهبت تلك العبارات، ودرست تلك العلوم، وفنيت تلك الرسوم، وما نفعنا إلاّ ركيعات كنا نركعها وقت السحر. وروي عن بعض المتهجدين: أنه أتاه آت في منامه فأنشده: [الطويل] وكيف تنام اللّيل عين قريرة... ولم تدر في أيّ المجالس تنزل؟
ويروى عن أبي خلاد: أنه قال: حدثني صاحب لي قال: فبينا أنا نائم ذات ليلة؛ إذ مثلت لي القيامة، فنظرت إلى أقوام من إخواني قد أضاءت وجوههم، وأشرقت ألوانهم، وعليهم الحلل من دون الخلائق، فقلت: ما بال هؤلاء مكتسون؛ والناس عراة، ووجوههم مشرقة، ووجوه الناس مغبرة؟ فقال لي قائل: الذين رأيتهم مكتسون فهم المصلون بين الأذان، والإقامة، والذين وجوههم مشرقة فأصحاب السهر، والتهجد. قال: ورأيت أقواما على نجائب، فقلت: ما بال هؤلاء ركبانا، والناس مشاة حفاة؟ فقال لي: هؤلاء الذين قاموا على أقدامهم تقربا لله تعالى، فأعطاهم الله بذلك خير الثواب. قال: فصحت في منامي: واها للعابدين ما أشرف مقامهم! ثم استيقظت من منامي وأنا خائف. انتهى. قرطبي. ورحم الله القائل:[الطويل] أراني بعيد الدار لا أقرب الحمى... وقد نصبت للسّاهرين خيام
علامة طردي طول ليلي نائم... وغيري يرى أنّ المنام حرام