للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداهما: أنّهم خرجوا إلى عيد لهم، فتخلف إبراهيم ودخل على أصنامهم، فكسرها، فلما رجعوا، وتساءلوا من كسرها؟ قال لهم: {أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ؟!} فقالوا: فمن تعبد؟ قال: أعبد ربّي الذي يحيي ويميت.

والثانية: أن نمرود كان يحتكر الطّعام، فكان إذا أتى أحد يمتار سأله: من ربّك؟ فيقول:

أنت، فيميره، فخرج إبراهيم عليه السّلام إليه ليميره الطّعام لأهله، فقال له: من ربك؟ قال: ربي الّذي يحيي، ويميت... إلخ، فردّه بغير طعام، فرجع إبراهيم إلى أهله، فمرّ على كثيب رمل أعفر، فملأ غرارتين منه تطييبا لقلوب أهله إذا دخل عليهم، فلمّا أتى أهله؛ وضع متاعه، فنام، فقامت زوجته سارة عليها السّلام إلى رحله، ففتحته، فإذا هو طعام أجود ما رآه أحد، فصنعت منه خبزا، فلما استيقظ قرّبته إليه، فقال لها عليه السّلام: من أين هذا؟ قالت: من الطعام الذي جئت به، فعلم: أن الله قد رزقه ذلك بقلب الرّمل قمحا، فحمد الله تعالى.

{أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ} أي: طغى، وتجبّر؛ لأنّ الله آتاه الملك، وكان الأحرى به أن يشكر الله، ويعبده، قال مجاهد-رحمه الله تعالى-: ملك الأرض أربعة: مؤمنان، وكافران؛ فأمّا المؤمنان؛ فسليمان بن داود وإسكندر ذو القرنين، وأما الكافران؛ فنمرود، وبختنصر. وقيل:

كلاهما ولد زنى، وجدا لقيطين عند الأصنام، فبختنصر حقيقة لقيط، فاسمه مركب من: بخ:

بمعنى ابن بالفارسية، وتنصّر: اسم الصّنم، فمعناه: ابن الصنم.

{إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ:} هذا الكلام كان جوابا للنمرود اللّعين لمّا قال له: من تعبد؟ {قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} أي: بالقتل، والعفو، فدعا برجلين، فقتل أحدهما، وترك الآخر. {قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ:} هذا من إبراهيم عليه الصلاة والسّلام انتقال إلى حجة أوضح، فإنّه لمّا رآه غبيّا أحمق؛ قال له هذا الكلام، والمعنى:

إذا كنت كما تدّعي من أنك تحيي، وتميت، فالّذي يحيي، ويميت هو الّذي يتصرف بالوجود، في خلق ذراته، وتسخير كواكبه، وحركاته، فهذه الشمس تبدو كلّ يوم من المشرق، فإن كنت إلها كما ادعيت تحيي وتميت، فائت بها من المغرب؟.

{فَبُهِتَ:} أفحم، وأخرس، وتحيّر، ودهش، وهذا الفعل من الأفعال التي جاءت على صورة المبني للمجهول، والمعنى فيها للمعلوم. هذا؛ ويقال: بهت الرّجل، وبهت، وبهت، إذا انقطع، وسكت متحيّرا، وورد في الخبر: «أنّ الله تعالى قال: وعزّتي، وجلالي! لا تقوم الساعة حتى آتي بالشمس من المغرب ليعلم أنّي القادر على ذلك». هذا وبين {يُحْيِي} و ({يُمِيتُ}) وبين {الْمَشْرِقِ} و {الْمَغْرِبِ} طباق، وهو من المحسّنات البديعيّة.

هذا؛ و {الْمَشْرِقِ:} موضع شروق الشمس، و {الْمَغْرِبِ:} موضع غروبها، وفي سورة (الرحمن): {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} أي: مشرقي الشّتاء، والصيف، ومغربيهما، وفي سورة

<<  <  ج: ص:  >  >>