للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} وفي ذلك مذهبان: مذهب السلف: التفويض، يقولون: لله يد تليق به لا نعلمها.

ومذهب الخلف: التأويل، يقولون: اليد بمعنى القدرة، والقوة، والإرادة. انظر تفسير الايتين في محلهما من سورة (ص) وسورة (الفتح) ففيهما بحث كاف ضاف والحمد لله.

هذا؛ واليد تستعمل في الأصل للجارحة، وتطلق، ويراد بها القوة، والقدرة كما رأيت آنفا، وخذ قول عروة بن حزام العذري، وهو الشاهد رقم [١١٦] من كتابنا: «فتح رب البرية»: [الطويل] وحمّلت زفرات الضّحى فأطقتها... ومالي بزفرات العشيّ يدان

قال تعالى في سورة (يس) رقم [٧١]: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ} كما تطلق على النعمة، والمعروف؛ يقال: لفلان يد عندي؛ أي: نعمة، ومعروف، وإحسان. وتطلق على الحيلة، والتدبير، يقال: لا يد لي في هذا الأمر؛ أي: لا حيلة لي فيه، ولا تدبير. وينبغي أن تعلم أن (الأيد) في هذه الاية مفرد، وليس بجمع، ومثلها قوله تعالى في سورة (ص) رقم [١٧]: {وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ}.

{وَإِنّا لَمُوسِعُونَ:} لقادرون. قاله ابن عباس-رضي الله عنهما-. والمعنى: إنا لذو سعة بخلقها، وخلق غيرها لا يضيق، ولا يصعب علينا شيء نريده. وقيل: المعنى: قد وسعنا أرجاءها، ورفعناها بغير عمد؛ حتى استقلت كما هي، وكما ترونها. {وَالْأَرْضَ فَرَشْناها} أي:

بسطناها كالفرش على وجه الماء، ومددناها؛ لتستقروا، وهذا لا ينافي ما قيل في العصر الحديث: إنها كروية الشكل، فإنها لعظمها ترى في العين مثل الفراش المبسوط: قال تعالى في سورة (الحجر) رقم [١٩] وسورة (ق) رقم [٧]: {وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ}. وفي الخازن: ويمكن أن يقال: إن الكرة إذا كانت كبيرة عظيمة، فكل قطعة منها تشاهد ممدودة كالسطح الكبير العظيم، فحصل الجمع بين القول بكرويتها، والقول ببسطها، ومع ذلك فالله تعالى أخبر: أنه مدّ الأرض، وأنه دحاها، وبسطها، وكل ذلك يدل على التسطيح، والله تعالى أصدق قيلا، وأبين دليلا من أصحاب الهيئة. هذا؛ وقد أثبت كروية الأرض الالوسي، والفخر الرازي، كما ستقف عليه في سورة (النبأ) و (النازعات) إن شاء الله تعالى.

{فَنِعْمَ الْماهِدُونَ:} يقال: مهدت الفرش مهدا: بسطته، ووطأته. وتمهيد الأمور: تسويتها، وإصلاحها. وتمهيد العذر: بسطه وقبوله. هذا؛ و (نعم) فعل ماض جامد لإنشاء المدح، وضدها «بئس» لإنشاء الذم. قال في المختار: «نعم» منقول من نعم فلان (بفتح النون وكسر العين): إذا أصابه النعمة، و «بئس» منقول من بئس فلان (بفتح الباء وكسر الهمزة): إذا أصابه بؤس. فنقلا إلى المدح والذم، فشابها الحروف، فلم يتصرفا، وفيهما أربع لغات: نعم وبئس، بكسر فسكون، وهي لغة القرآن. ثم نعم وبئس، بكسر أولهما، وثانيهما، غير أنّ الغالب في نعم أن يجيء بعدها (ما) كقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ} سورة (النساء) رقم [٥٨]، وقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>