للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ} سورة (البقرة) رقم [٢٧١]. وبئس جاءت بعدها (ما) على اللغة الفصحى كقوله تعالى: (بئسما اشتروا به أنفسهم) وقد تكرر هذا التركيب في القرآن كثيرا، واللغة الثالثة: نعم، وبئس بفتح، فسكون، والرابعة: نعم، وبئس بفتح فكسر، وهي الأصل فيهما.

ولا بد لهما من شيئين: فاعل، ومخصوص بالمدح، أو الذم، ويشترط في الفاعل أن يكون مقرونا ب‍: «أل»، كما في قوله تعالى: {نِعْمَ الْعَبْدُ،} أو مضافا لمقترن بها. كما في قوله تعالى:

(نعم عقبى الدّار). والقول بفعليتهما إنما هو قول البصريين، والكسائي بدليل دخول تاء التأنيث عليهما في قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «من توضّأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل؛ فالغسل أفضل».

وقال الكوفيون إلا الكسائي: هما اسمان بدليل دخول حرف الجر عليهما في قول أعرابي، وقد أخبر بأن امرأته ولدت بنتا له: (والله ما هي بنعم الولد، نصرها بكاء، وبرّها سرقة). وقول غيره:

(نعم السير على بئس العير). وأوله البصريون على حذف كلام مقدر؛ إذ التقدير: (والله ما هي بولد مقول فيه: نعم الولد) و (نعم السير على عير مقول فيه: بئس العير). والمعتمد في ذلك قول البصريين، ويلزم الكوفيين جر الولد والعير بسبب الإضافة، والرواية بالرفع لا غير.

{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ} أي: صنفين، ونوعين مختلفين. قال ابن زيد: أي: ذكرا، وأنثى، وحلوا، وحامضا، ونحو ذلك. وقال مجاهد: يعني الذكر، والأنثى من كل شيء، من السماء، والأرض، والشمس، والقمر، والليل، والنهار، والنور، والظلمة، والسهل، والجبل، والجن، والإنس، والخير، والشر، والبكرة، والعشي، وكالأشياء المختلفة الألوان من الطعوم، والأراييح، والأصوات؛ أي: جعلنا هذا كهذا دلالة على قدرتنا، ومن قدر على هذا فإنه يقدر على الإعادة. انتهى. قرطبي، ويضاف زوجية بين الإيمان والكفر، والجنة والنار، والسعادة والشقاوة، حتى الحيوانات والنباتات.

هذا؛ وقد قال الله تعالى في سورة (يس) رقم [٣٦]: {سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمّا لا يَعْلَمُونَ} قال محمد علي الصابوني: سبحان الله ما أعظم قدرة الله، لقد كان السائد: أن الزوجية إنما تكون بين الإنسان، والحيوان فقط، وجاء القرآن بالمعجزة الباهرة المثبتة لما اكتشفه العلم الحديث منذ زمن قريب، وهي أن الزوجية بين الإنسان والحيوان، والنبات، والذّرّة، وسائر الكائنات، فقد ثبت: أن الذرّة، وهي أصغر أجزاء المادة، مؤلفة من زوجين مختلفين من الإشعاع الكهربائي، سالب، وموجب، يتزاوجان، فيتحدان. وإن بين النبات أعضاء مذكرة، وأعضاء مؤنثة، فسبحان العلي القدير القائل: {سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ..}. إلخ انتهى. هذا؛ وقوله تعالى هنا: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ} عمّم الزوجية في النبات، والإنسان، وفي كل شيء مما نعلمه، ومما لا نعلمه، فسبحان الإله العلي القدير العليم، الذي أحاط علمه بكل الأكوان، وأحصى كل شيء عددا.

<<  <  ج: ص:  >  >>