البالغين (بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم) الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان بإيمان آبائهم. أخبر الله تعالى: أنه يجمع لعبده المؤمن ذريته في الجنة، كما كان يحب في الدنيا أن يجتمعوا إليه، فيدخلهم الجنة بفضله، ويلحقهم بدرجته بعمله من غير أن ينقص الاباء من أعمالهم شيئا، وذلك قوله تعالى:{وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} يعني: وما نقصنا الاباء من أعمالهم شيئا.
فعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله تعالى يرفع ذرية المؤمن معه في درجته، وإن كانوا دونه في العمل؛ لتقرّ بهم عينه». ثم قرأ:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ..}. إلخ. وعن علي-رضي الله عنه-قال: سألت خديجة النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ولدين ماتا لها في الجاهلية، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«هما في النار» فلما رأى الكراهية في وجهها؛ قال:«لو رأيت مكانهما؛ لأبغضتهما!» قالت: يا رسول الله فولدي منك؟ قال:«في الجنة». ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، وإنّ المشركين وأولادهم في النار» ثم قرأ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}. أخرج هذين الحديثين البغوي بإسناد الثعلبي. هذا؛ وحديث خديجة-رضي الله عنها-كان قبل قوله صلّى الله عليه وسلّم:«سألت ربي فأعطاني أولاد المشركين خدما لأهل الجنة» هذا؛ وانظر ما ذكرته في سورة (الرعد) رقم [٢٣] تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
هذا؛ والذرية: النسل من بني آدم، وهي تقع على الجمع، كما في قوله تعالى:{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً} رقم [٩] من سورة (النساء). وتطلق على الواحد، كما في قوله تعالى حكاية عن قول زكريا-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} رقم [٣٨] من سورة (آل عمران) قيل: هي مشتقة من الذّر بفتح الذال، وهو كل ما استذريت به، يقال: أنا في ظل فلان، وفي ذراه؛ أي: في كنفه، وستره، وتحت حمايته، وهي بضم الذال: أعلى الشيء. وقيل: هي مشتقة من الذّرء، وهو الخلق، قال تعالى في سورة (الملك) رقم [٢٤]: {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ،} وقال تعالى: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} رقم [١١] من سورة (الشورى) أبدلت همزة الذرء ياء، ثم شددت الياء، وتبعتها الراء في التشديد.
هذا؛ وقرأ ابن كثير: «(وما ألتناهم)» بكسر اللام، وفتح الباقون، وعن أبي هريرة-رضي الله عنه- (آلتناهم) بالمد، قال ابن الأعرابي: آلته، يألته، ألتا، وآلته، يؤلته، إيلاتا، ولاته، يليته، ليتا، كلها إذا نقصه. وفي الصحاح: ولاته عن وجهه، يلوته، ويليته؛ أي: حبسه عن وجهه، وصرفه، وكذلك: ألاته عن وجهه فعل وأفعل بمعنى، ويقال أيضا: ما ألاته من عمله شيئا؛ أي: ما نقصه، مثل: ألته. هذا؛ ومن الأول قول الشاعر:[البسيط] أبلغ بني ثعل عني مغلغلة... جهد الرّسالة لا ألتا ولا كذبا
أي: لا نقصا، ولا كذبا. ومن الثاني قول رؤبة:[الرجز]