وليلة ذات ندى سريت... ولم يلتني عن سراها كيت
أي: لم يمنعني عن سراها مانع. ومن الأخير قول عدي بن زيد: [الطويل] ويأكلن ما أعنى الوليّ فلم يلت... كأنّ بحافات النّهاء المزارعا
فلم يلت: فلم ينقص منه شيئا، و «أعنى» بمعنى: أنبت، والولي: المطر بعد الوسميّ. وانظر سورة (الحجرات).
{كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ} أي: مرهون بعمله، فإن عمل صالحا؛ فلها، وإلا؛ أهلكها.
وقيل: يرجع إلى أهل النار. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ارتهن أهل جهنم بأعمالهم، وصار أهل الجنة إلى نعيمهم؛ ولهذا قال تعالى في سورة (المدثر): {كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاّ أَصْحابَ الْيَمِينِ} وقيل: هو عام لكل إنسان مرتهن بعمله، فلا ينقص أحد من ثواب عمله، فأما الزيادة على ثواب العمل؛ فهي تفضل من الله تعالى، وهو ما أعتمده إن شاء الله تعالى.
{اِمْرِئٍ:} أصل هذه الكلمة: المرء، ولما كثر استعمالهم لها؛ أصبحت تستعمل للدلالة على الإنسان، وعلى الحيوان مجازا، وكان الهمز في آخرها ثقيلا بعد السكون خففوها بحذف الهمزة، وإلقاء حركتها على الراء، فقالوا: المر، وبذلك أشبهت الراء منها النون من (ابن) في تلقي حركات الإعراب، ولإعلالهم هذه الكلمة كثيرا بحذف الهمز شبهوها بما حذف آخره، نحو (اسم، ابن، است) فجبروها بهمزة وصل في حالة التنكير، ثم ردوا إليها الهمزة، فقالوا: امرؤ، وبذلك أصبحت تعرب من مكانين، فتظهر حركات الإعراب فيها على الراء، والهمزة، فتقول:
هذا امرؤ، ورأيت امرآ، ومررت بامرئ، قال تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ،} {ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ،} {كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ}.
هذا؛ ومثل كلمة (امرئ) كلمة (ابن) إذا زيدت في آخرها (ما) فإن حركة الإعراب تظهر على النون والميم، فتقول: حضر ابنم، ورأيت ابنما، ومررت بابنم، ولا ثالث لهما في اللغة العربية فاحفظه، فإنه جيد. والله ولي التوفيق.
الإعراب: {وَالَّذِينَ:} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه مبتدأ، والخبر الجملة الفعلية:
(ألحقنا...) إلخ. والثاني: أنه منصوب بفعل مقدر، قال أبو البقاء على تقدير: وأكرمنا الذين.
والثالث: أنه معطوف على: {بِحُورٍ عِينٍ}. قاله الزمخشري، وتبعه البيضاوي. وأعتمد الأول، وجملة: {آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {وَاتَّبَعَتْهُمْ:} الواو:
حرف عطف. (اتبعتهم): ماض، والتاء للتأنيث، والهاء مفعول به. {ذُرِّيَّتُهُمْ:} فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على جملة الصلة، لا محلّ لها. {بِإِيمانٍ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من الفاعل، أو من المفعول. {أَلْحَقْنا:} فعل وفاعل. {بِهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بما