دلو. ولا يقال: جراب إلا وهو مدبوغ، وإلا فهو إهاب. ولا يقال: قلم إلا وهو مبرى، وإلا فهو أنبوب. هذا؛ وشاهد التنازع، والكأس في اللغة قول الأخطل النصراني: [البسيط] وشارب مريح بالكأس نادمني... لا بالحصور ولا فيها بسوّار
نازعته طيّب الرّاح الشمول وقد... صاح الدجاج وحانت وقعة السّاري
وقال امرؤ القيس: [الطويل] فلمّا تنازعنا الحديث وأسمحت... هصرت بغصن ذي شماريخ ميّال
{لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ} أي: لا يتكلمون بلغو الحديث في أثناء شربها، ولا يفعلون ما يؤثم به فاعله كما هو عادة الشاربين في الدنيا، وذلك مثل قوله تعالى في سورة (الصافات) رقم [٤٧]:
{لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ} والغول: أن تغتال عقول شاربيها، وهذه موجودة في خمر الدنيا. قال الشاعر: [المتقارب] فما زالت الكأس تغتالنا... وتذهب بالأوّل الأوّل
أي: تصرعنا واحدا واحدا. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: في الخمر أربع خصال:
السكر، والصداع، والقيء، والبول، فذكر الله خمر الجنة. فنزهها عن هذه الخصال. انتهى.
فخمر الجنة طعمها طيب كلونها، فلا خمار يصدع الرؤوس، ولا سكر، ولا عربدة يذهب لذة الاستمتاع، كما هي الحال في خمر الدنيا. يقال: الخمر غول للحلم، والحرب غول للنفوس؛ أي: تذهب بها. كيف لا؛ وقد قال تعالى في سورة (محمد صلّى الله عليه وسلّم): {وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ}! قال ابن عطاء-رحمه الله تعالى-: أيّ لغو يكون في مجلس محله جنة عدن، وسقاتهم الملائكة، وشربهم على ذكر الله، وريحانهم وتحيتهم من عند الله، والقوم أضياف الله {وَلا تَأْثِيمٌ:} أي لا يكون فيها ما يؤثمهم، ولا يكذب بعضهم بعضا. وقيل: لا يأثمون بشربها.
هذا؛ والكأس تذكر، وتؤنث؛ لأنها من المؤنث المجازي، فمن التأنيث الاية التي نحن بصدد شرحها، وقوله تعالى في سورة (الصافات) رقم [٤٥ و ٤٦]: {يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ} ومن التذكير قولك: هذا كأس، والجمع كؤوس، وأكؤس، وكأسات، وكئاس.
الإعراب: {وَأَمْدَدْناهُمْ:} الواو: حرف عطف. (أمددناهم): فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة: {أَلْحَقْنا بِهِمْ} على الوجهين المعتبرين فيها، وعليه: فالجملة الاسمية: {كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ} معترضة بين المتعاطفتين. {بِفاكِهَةٍ:} متعلقان بما قبلهما.
{وَلَحْمٍ:} معطوف على ما قبله. {مِمّا:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة (لحم).
{يَشْتَهُونَ:} مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون... إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية صلة (ما) أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: من الذي، أو من شيء يشتهونه.